دور الجمعيات التعاونية وأهميتها التسويقية
في خطوة طال انتظارها، أطلقت الجمعية التعاونية للثروة الحيوانية، مشروعا من عشرة أسواق للحوم الاستهلاكية جميعها في منطقة الرياض. وهذه التعاونيات من نوع المنشآت غير الربحية، فلا يوجد فيها حقوق ملكية لشخصيات سواء أكانت طبيعية أم اعتبارية، وعدم وجود حقوق ملكية يجعل المنشآت التي من هذا النوع تستهدف رضى العميل الذي هو مصدر البقاء والاستمرار الحقيقي، كما أنها لا تستهدف تعظيم الأرباح بقدر ما يكون هدفها تقديم الخدمة الجيدة بأقل سعر للبقاء في السوق. وهذه التعاونيات العشر تأتي في ظل نقاش طويل حول الارتفاع المتواصل في الأسعار، مع عدم استجابة الأسعار للتغيرات العالمية في سعر الغذاء بل حتى التغيرات في سعر صرف الريال، فالمشاريع التعاونية غير الربحية تهدف إلى القضاء على الاختلالات السعرية الموجودة في السوق، وتقديم منافس قوي للقطاع الربحي وكسر الاحتكارات بجهاز اقتصادي قوي ما يوفر للمواطنين بديلا، وسوقا توفر لهم متطلباتهم دون استغلال لظروف العرض والطلب. فالسعر الذي تضعه الجمعيات التعاونية يسهم كسعر مرجعي. ليس هذا فحسب بل إن هذه المشاريع تقدم فرصا حقيقية للتوظيف ودورا واسعا للقطاع الثالث للعمل في المملكة، كما تسمح بتحقيق مستوى عال من الخدمات التي يشرف عليها المواطنون.
ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه في هذه التجربة الجديدة للجمعيات التعاونية "بهذا الحجم" هو قدرتها على إنشاء منافذ سوقية للحوم تغطي حاجة المواطنين بشكل صحي وبسعر مناسب أقل من أسعار الأسواق الأخرى والأسعار الرسمية، وتصل إلى 20 في المائة، كما أشار بذلك رئيس الجمعية التعاونية للثروة الحيوانية، وهو أهم هدف كنا نسعى إليه منذ بدأت أسعار الغذاء العالمية تتصاعد، التي تسببت في جدل واسع حول دور تجار الجملة وتجار التجزئة في زيادة الأسعار بشكل أكبر، حيث لم تتأثر الأسعار بالدعم الذي وجهته الحكومة إلى تلك السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل قياسي، وتبادل الجميع الاتهامات التي كان لها انعكاسات عديدة، على المجتمع والإعلام. فالحاجة إلى إنشاء هذه الجمعيات تمثل تجربة ضرورية لكسر حلقات النقاش حول أسباب الأسعار، وهي وإن أتت متأخرة بعض الشيء وما زالت تجربة خجولة، إلا أنها تمثل تحولا في المسار يستحق الدعم والمتابعة.
وكما أشرنا فإن التجربة مهمة وتستحق الدعم، لكن لابد لنا من الاعتراف بأنها لا تزال أقل من طموحات المجتمع والدور المؤمل للقطاع الثالث غير الربحي، فهذه الأسواق التعاونية لا تزال تمثل تجمعا للتجار، وليس المواطنين، فهي لا تماثل جمعيات المستهلكين التعاونية المطبقة في دول مجلس التعاون الخليجي، ولا هي تجربة بعض الدول العربية في التعاونيات الاشتراكية، إنما هي تجمع يضم ملاك ومربي الماشية، فهي تمثل منافذ لهم للبيع المباشر بين الملاك والمواطنين دون المرور بتجار التجزئة والوسطاء. فهي تأمل في تقليص دور السوق التي يسيطر عليها السماسرة، وتهدف إلى التخلص من عبء تكاليف العوائد التي يتحصل عليها السماسرة وتجار التجزئة في الأسواق المعتادة. لهذا نتوقع أن يظهر تأثير هذه الأسواق مباشرة من خلال توفير لحوم بجودة عالية وسعر مناسب مع متابعة أكثر دقة لمصدر التغير في أسعار هذه المنتجات حيث يقل الوسطاء بين الملاك والمستهلك النهائي إلى أدنى حد ممكن.
وكما تستحق التجربة الدعم فإنه لابد من مراقبتها حتى لا تتسبب في إخراج تجار التجزئة من السوق أو الدخول في حرب أسعار هدفها السيطرة على السوق ومن ثم إيجاد كيانات عملاقة محتكرة يصعب تفتيتها أو تقليص حجمها فيما بعد، خاصة أنها تمثل تجمعا من الموردين فلابد من مراقبة جادة لحالة الأسواق وآثار هذه التجربة في الاقتصاد، وحركة الأسعار ومن ثم يمكن تعميم التجربة على المناطق غير المستهدفة حاليا أو تجربة هذه الأسواق على منتجات وخدمات أخرى.