رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما الذي يقلق صديقي الطبيب الشاب؟

جلس الطبيب الشاب مترددا بجانب سريري بالمستشفى، وكنت قد رحبت به وهللت لوجوده، ففرحي بالأطباء الشباب يكاد يكون احتفالا.
كان دوام الطبيب الشاب قد انتهى، ومر علي بعد أن استأذن بكياسةٍ وأدب، ليناقش بعض المواضيع التي تؤرقه وتشغل أفكاره.
وبدأ الطبيب يحكي لي عن أمرٍ مهم، وهو كيف يستطيع الطبيب أن يفصل ليس فقط عواطفه، بل ظروفه الحياتية عن تكريسه الكامل المستقل على عمله؟ وعمله المهم متابعة المرضى مباشرة، وهو من ينقل للاستشاري تطورات حالة كل مريض على مدار ساعات طوال، وأن العمل الطبي هو العمل الوحيد في الدنيا الذي لا يمكن قبول الأخطاء به، لأن حياة المرضى أحيانا تكون من التشابك الرقيق الذي يمكن أن تهتك خيوطه بأقل انحراف علاجي أو سوء متابعة، أو مناولة الحالة المرضية والطبيب بعقل ساهٍ غائب في مكان آخر يضغط على قدرته على التركيز.
ولا يكتفي الطبيب الشاب فقط بعرض المسألة، بل يستحضر قصصا عن زملاء له وزميلات مروا بتجارب حياتية مؤلمة، أو أن في حياتهم اليومية مشكلات تبدأ ولا تنتهي. ويعترف أن ذلك يؤثر في القدرة التركيزية العملية حتى أنه يقول إنه مرة أصر على زميلة له أن تغادر المستشفى لانهيارها بالبكاء لأمر فاجأها وقلب حياتها.
الحديث طال وتشعب مع هذا الطبيب الشاب الذي كان يعصر يديه ويحمر وجهه وهو يخرج كلماته وكأن صراعا ضخما يدور في داخله.
تبادلت وصديقي الطبيب الشاب حديثا طويلا في الموضوع، ولما غادرني أشغلتني الظاهرة التي طرحها، الذي جعلني أنشغل أكثر هو صدقه الذي يظهر من حرصه على الإفصاح وحركات يديه اللارادية القلقة.
الآن هذه حالة كما يبدو لنسمها "الحالة الإنسانية والحالة المهنية" عند الطبيب خصوصا الشباب منهم، ولا يمكن إيجاد حل لأي ظاهرة إنسانية ذهنية وعاطفية بمجرد حديث في غرفة مستشفى بين شخصين محدودي القدرة.
لا أميل أبدا لتدريج الظراهر بظاهرة صغيرة أو كبيرة، ما دام أنها موجودة فيجب الاعتراف أولا بوجودها ثم أن تفكر العقول والخبرات الصحية والإدارية في عرض الموضوع وسبر أعماقه، وفهم ظروفه، وتحري مسبباته.
ولو كان لي رأي في هذا لتمنيت أن يُلتفت بجدية كبرى لمواقف وأداء الأطباء المقيمين وحتى غيرهم من الكوادر الطبية من أبعاد ضغوط الحياة، ومدى القدرة عند أي طبيب أن يخلع كل مشكلاته وراءه بعد ارتدائه معطفه الأبيض. ولا أعتقد أني أعرض موضوعا جديدا، فأنا متأكد أنه تم الخوض والبحث فيه من فجر الطب. والعودة لأي توصيات أو تجارب ناجحة حدثت في مكان ما بمستشفيات العالم أمر يعرفه ويقبل به الجميع بلا تنبيهات من شخص مثلي. المهم أن يهتم الجسد الصحي كاملا بما يؤرق ذلك الطبيب الشاب الصادق وليعرف هو وغيره أنها قضية مهمة، وأن مهتمين سيجدّون ويعملون لحل هذه الظاهرة ما أمكن.
موضوع إنساني صحي نفسي مهني.. الانتباه له أمر لا يقبل الانتظار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي