«الجامعة العربية» .. والتحديات الإقليمية والدولية
أعلنت جامعة الدول العربية أن فترة أمينها العام نبيل العربي انتهت، وإن الأمين العام لا يريد التجديد ويفضل الخلود إلى الراحة.
من ناحيتها تقدمت مصر كعادتها بمرشح جديد هو أحمد أبو الغيط وزير الخارجية في عهد الرئيس حسني مبارك.
وقد فازت مصر بالمقعد على قاعدة أن الأمين العام من دولة المقر، وهي القاعدة التي بدأت منذ انتخاب أحمد عزام أول أمين عام للجامعة العربية منذ تأسيسها في عام 1945.
ولكن دخول أحمد أبو الغيط جاء في ظروف جد متغيرة وأوضاع عربية مزرية وشائكة، بل يأتي أبو الغيط وإيران تتربع في عواصم دول عربية أربع هي لبنان وسورية والعراق واليمن، بل تتمادى إيران في غرورها وتهدد دول الخليج وتتوعد بالاجتياح والاحتلال، وأمام الأمين العام نص في ميثاق الجامعة أن أي اعتداء على دولة عربية هو اعتداء على كل الدول العربية.
وإذا كانت مصر هي اللاعب الرئيس لدى الجامعة العربية على مدى نصف قرن مضت، فإن اللاعب الرئيس الآن هي المملكة العربية السعودية التي واجهت التجاوزات والاعتداءات الإيرانية بالدفاع العربي الإسلامي المشترك، ونجحت السعودية وشقيقاتها في تحجيم الزحف الإيراني العدواني، وهي إن شاء الله في سبيل تحقيق النصر المؤزر ووقف الاعتداءات الإيرانية الغاشمة.
بداية إن السعودية إحدى سبع دول شاركت بفعالية قبل 62 عاما في تأسيس الجامعة، وصممت الصيغ المناسبة للقيام بأدوارها التي تستهدف توفير الأسباب الضرورية لتحقيق التضامن العربي ودعم مشاريع الوفاق بين جميع شرائح المجتمعات العربية في جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
وكانت المملكة في ذلك الوقت وما زالت تتقدم الصفوف وتعمل بكل إخلاص كي يخرج المشروع العربي بعافية كاملة، ويومها قام الملك عبد العزيز بدور بارز وفعال لإبعاد المشروع العربي عن التبعية والوصولية، وفي سلسلة جهوده الرامية إلى إنشاء الجامعة العربية (بيت العرب) .. قام الملك عبد العزيز بزيارة تاريخية إلى المملكة المصرية (جمهورية مصر العربية) واجتمع بالملك فاروق ملك مصر آنذاك، واتفق الزعيمان على تفاصيل إنشاء الجامعة في مصر، ثم انضم خمسة من الزعماء العرب إلى دعم فكرة تأسيس الجامعة وهم رئيس الجمهورية السورية، ورئيس الجمهورية اللبنانية وملك شرق الأردن وملك المملكة العراقية وولي عهد المملكة المتوكلية اليمنية.
وفي جميع مراحل تاريخ الجامعة .. نجد أن الإنجازات التي حققتها الجامعة جاءت في الأوقات التي كانت المملكة تقوم بدورها كاملا لتحقيق الأهداف التي من أجلها أنشئت الجامعة.
ولكن حينما أوغرت بعض الزعامات العربية في استخدام الجامعة لتحقيق بعض الشعارات .. قامت المملكة بدورها الجيد في تصحيح الانحراف وإعادة الجامعة إلى جادتها التي أنشئت من أجلها.
ولا شك فإن الغزو العراقي للكويت في عام 1990 كان ضربة قاصمة للعمل العربي المشترك، ولكن بعد هزيمة جيش صدام اتخذت المملكة كل التدابير اللازمة لتعديل الانحراف في أداء الجامعة وإعادتها إلى خطوطها التي أنشئت من أجلها وهي دعم التضامن العربي وإرساء قواعد العمل العربي المشترك المبني على احترام حقوق السيادة لكل دولة عربية حرة مستقلة.
وفي إطار دعم المملكة للعمل العربي المشترك ساندت المملكة مشروع منطقة التجارة الحرة، ثم صححت المسار وساندت مشروع البرلمان العربي التي تمت المصادقة على نظامه من قبل مجلس الشورى الموقر، ثم توجت المملكة دورها الفاعل بالموافقة على إنشاء الاتحاد الجمركي وصولا إلى مشروع السوق العربية المشتركة الذي سوف يدخل 22 دولة عربية في وحدة اقتصادية تكاملية تشبه ـــ إلى حد ما ــــ الاتحاد الأوروبي.
ولعل المراقب يلاحظ أن الدبلوماسية السعودية نفذت مجموعة من التحركات السياسية النشطة في الأيام القليلة الماضية الهادفة إلى تمكين الجامعة العربية من بناء قوتها العسكرية الضارب، والتصدي بواقعية وشفافية للتحديات التي تواجه الوطن العربي، وأن تعيد اللحمة للأسرة العربية، وتكرس الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع العربي، وتدفع بالتكامل الاقتصادي وتسهيل التبادل التجاري بين الأقطار العربية.
باختصار شديد فإن السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز الذي شارك شخصيا في وضع لبنات تأسيس الجامعة العربية حتى عهود الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبد الله والملك سلمان .. قامت بدورها كاملا ولم تتأخر يوما واحدا في مساندة كل الجهود العربية الرامية إلى دعم الجامعة العربية كي تكون بيت العرب والمكان المناسب للتشاور والتناصح وإقرار مشاريع التنمية العربية الشاملة وبناء قوة عربية عسكرية مسلحة تستطيع أن تدافع عن الأمة العربية ضد الأطماع الخارجية، وبالذات ضد الأطماع الفارسية الغاشمة التي استغلت الضعف العربي في فترة من الفترات لتقفز إلى أربع عواصم عربية وتعيث فيها فسادا واحتلالا.