رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التحايل للحصول على مخصصات الفقراء

تشير مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية إلى شروعها في اتخاذ إجراءات نظامية بحق 72 ألف شخص احتالوا للحصول على مخصصات الضمان الاجتماعي، كما تشير هذه المصادر إلى كف أيدي عدد من الموظفين والتحقيق مع آخرين بخصوص حصولهم على أموال من الضمان الاجتماعي دون وجه حق. وكانت الوزارة قد اتخذت إجراءات مماثلة بحق أكثر من 100 ألف مستفيد غير مستحق في منتصف العام الماضي. وقد استفادت الوزارة من الربط التقني مع قواعد المعلومات في الجهات الحكومية الأخرى، ونتيجة لهذا الربط - وليس لجهودها الذاتية - اكتشفت هذا الكم الهائل من غير المستحقين، الذين تكاد أن تصل نسبتهم إلى ربع إجمالي المستفيدين. ومن المؤسف حقا أن يتلاعب عدد كبير من الناس بمخصصات المحتاجين ويسعون لابتزاز الجهات الرسمية المخصصة لمساعدة المحتاجين والحصول على مخصصات الفقراء دون وجه حق.
ويأتي جزء كبير من المساعدات التي يقدمها برنامج الضمان الاجتماعي من إيرادات الزكاة، حيث تخصص جميع إيرادات الزكاة لبرنامج الضمان الاجتماعي، كما تدعم الدولة البرنامج بمبالغ إضافية للوفاء بالتزاماته تجاه الفقراء. ولهذا ينبغي أن يعلم ويدرك جميع من يحتالون للحصول على مخصصات الضمان الاجتماعي أنهم يأكلون أموال زكاة الأموال التي لا ينبغي أن تذهب إلا لمستحقيها. وينبغي للوزارة التركيز على نشر هذه الحقيقة لأن معظم الجمهور يجهلها، كما أن كثيرا ممن يتلقون المعاشات قد يتعففون عن أخذ أموال الزكاة. وقد كشفت معلومات وزارة الشؤون الاجتماعية أن بعض المتحايلين - للحصول على مخصصات الضمان - يملكون مؤسسات تحت كفالتها عدد كبير من العمالة، كما كشفت عن وجود موظفين، ومن لديهم قروض صناعية وسجلات تجارية لشركات، وأشخاص متوفين، ومقيمين في الخارج. كما أفادت مصادر أن بعض المستفيدين المحتالين يملك صكوكا عقارية قد تصل إلى العشرات.
والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هو ما الذي دفع إلى استغلال برنامج الضمان بهذه الطريقة الواسعة؟ ويوجد عديد من العوامل التي دفعت لاستغلال البرنامج لعل أهمها الجشع والتساهل أو عدم اكتراث الكثيرين بحرمة الأموال خصوصا العامة منها، وانخفاض فرص القبض على المحتالين، وتدني معدلات تفعيل وصرامة العقوبات النظامية. وللحد من عمليات التحايل على أموال الدولة خصوصا مخصصات المحتاجين يجب وضع الروادع المالية والعقابية المناسبة، ورفع معدلات تفعيلها. وتفرض الدول عادة عقوبات مالية تفوق المبالغ المنهوبة بأضعاف كثيرة. فإذا كانت فرصة إفلات المحتال من العقوبة تصل إلى 90 في المائة مثلا تفرض غرامة مالية إضافية على المحتالين لا تقل عن عشرة أضعاف الأموال المنهوبة. وأشارت بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية إلى أنها ستسعى لاسترداد المبالغ التي استولى عليها دون وجه حق، ولكنها لم تشر إلى أي عقوبات إضافية يمكن تطبيقها على المحتالين. ويجب أن تتناسب العقوبات مع وضع المحتالين، فإذا كانوا ممن تتوافر لديهم موارد كبيرة أو من الأغنياء فينبغي أن تكون العقوبات أشد.
وهنا ينبغي التنويه إلى أن وسائل الاحتيال كثيرة ومتعددة ولن يعدم ضعاف النفوس من ابتكار وسائل جديدة للاحتيال، حيث لا يقتصر الاحتيال على المعلومات المتوافرة بقواعد بيانات الأجهزة الحكومية من كفالة عمالة أو وجود صكوك أو حسابات بنكية أو سجلات تجارية وصناعية، وإنما هناك وسائل أخرى من ضمنها ملكية وثائق متعددة تستخدم للحصول على منافع متنوعة. كما يؤكد اكتشاف هذا العدد الكبير من المحتالين على البرنامج ضرورة التركيز على العمل الميداني في التحقق من أحوال الفقراء والبحث عنهم لا الاكتفاء بتعريف المحتاجين أو ممن يدعون الفقر بأنهم كذلك، لأن هذا يفتح المجال أمام المبتزين للتحايل على الأنظمة للاستفادة من مخصصات الفقراء. وعموما لا ينبغي التغافل ولو للحظة عن أهمية قيام الإدارات المسؤولة بالبحث عن الفقراء لا أن تجبر الفقراء بالبحث عنها. من جهةٍ أخرى، ترفع معدلات الاحتيال الكبيرة الحاجة إلى تدريب الكوادر العاملة في وكالة الضمان الاجتماعي على طرق ووسائل أكثر نجاعة في تحديد الفقر والفقراء.
إن وجود هذا العدد الكبير من المتحايلين على البرنامج لا يعني عدم استغلال بعض ضعاف النفوس - سواء كانوا مواطنين أو أجانب - وثائق بعض المحتاجين في فتح مؤسسات والتحايل على الأنظمة، ما يمثل جرائم إضافية كالنصب والاحتيال والتستر التي ينبغي الإبلاغ عنها وعدم السكوت عليها. ولمنع ابتزاز الضعفاء من قبل ضعاف النفوس يجب فتح المجال بدرجة أكبر أمام المنتفعين من الضمان للتواصل مع المسؤولين عن تطبيق النظام، والتأكد من وصول المخصصات إلى مستفيديها عن طريق الاتصال بشكل دوري - ولو مرة كل عام - بجميع المستفيدين والتأكد من أحوالهم ووصول المخصصات إليهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي