الحاجة إلى نظام جديد للجامعات
مر وقت طويل منذ أنشئت في المملكة أول مؤسسة تهتم بالعلم والتعليم عندما أعلن الملك الموحد إنشاء مديرية المعارف في الأول من رمضان عام 1344هـ، حينها كانت تتبع وزارة الداخلية وتم تشكيل أول مجلس للمعارف للإشراف على تنفيذ السياسة التعليمية كلها وتنظيم مراحل التعليم، وظهر أول معهد علمي في مكة المكرمة عام 1345هـ، ثم مدرسة تحضير البعثات في مكة سنة 1355هـ، وفي عام 1369هـ أمر الملك عبد العزيز بتأسيس كلية الشريعة في مكة كأول لبنة في مؤسسة التعليم العالي. وفي عام 1373هـ أنشئت وزارة المعارف، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ـــ رحمه الله ـــ أول وزير لها. وافتتحت كلية للمعلمين في مكة وتم إنشاء جامعة الرياض التي سميت لاحقا باسم جامعة الملك سعود بالرياض سنة 1377هـ، وهي أول الجامعات السعودية. ولاستكمال حلقات النهضة العلمية في المملكة ولتشجيع أبناء المجتمع على استكمال دراستهم العليا فقد تم إنشاء وزارة للتعليم العالي عام 1395هـ، ثم استحداث مجلس التعليم العالي ليتولى الإشراف على تطوير التعليم العالي في المملكة. واليوم لدينا ما يقرب من 35 ألف مدرسة وأكثر من 500 ألف معلم ومعلمة في التعليم العام، وهناك 33 جامعة حكومية وأهلية. مع هذه الرحلة العظيمة و التحولات الكبيرة في مسيرة المملكة العلمية فإن التعليم في المملكة قد وصل اليوم إلى مرحلة لابد لها من نظرة جديدة وهيكلية تتناسب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.
وقد بدأت خطوات هذه الهيكلة عندما وضعت الخطط الاستراتيجية لإعادة بناء التعليم في المملكة وبناء مؤسساته، فوضعت خطة "آفاق" للتعليم العالي، وخطة للتعليم العام، ثم دمج وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة هي وزارة التعليم، كما تم إلغاء مجلس التعليم العالي. وبهذا فقد تم نقل جميع مسؤوليات التعليم في المملكة إلى جهة واحدة فقط، ورغم أن هذا يحقق التكامل بين التعليم العالي والعام، لكن وجود كل اختصاصات التعليم في وزارة واحدة يعد حملا ثقيلا جدا وخاصة في وجود خطط استراتيجية صعبة ومعقدة. من هنا فإن مراجعة هيكلة التعليم في المملكة لا تزال أمرا ضروريا وهذا ما أشار إليه وكيل وزارة التعليم للشؤون التعليمية، من "أن هناك عددا من البرامج التي تم البدء فيها في الوزارة لإحداث التكامل بين التعليم العام والعالي"، لافتا إلى أنه يجري العمل على الهيكلة في الوقت الحالي.
ولعله من المناسب القول إن النظرة للتعليم في المملكة، واهتمام المجتمع به قد تغيرت تماما منذ عام 1344هـ عندما تم إنشاء مديرية المعارف، وأصبح التعليم جزءا من استثمار المجتمع فأصبحت الأسر أكثر حرصا على تعليم أبنائها وبناتها عما كان قبل قرن تقريبا، لهذا فإن وضع الجامعات اليوم والإقبال عليها ليس كما كان قبل عقود، بل إن الحصول على الدرجات العلمية العالية فيما بعد التعليم الجامعي، قد أصبح ظاهرة لافتة تماما وهناك آلاف من حملة الماجستير والدكتوراه. فلابد إذا من هيكلة جديدة للتعليم العالي ليتناسب مع هذه النظرة له، ولابد من هيكلة تمنح الكثير من المرونة للجامعات، وتمكن من تحقيق بيئة تنافسية فيما بينها، وأن تقوم الجامعات بإصلاح حقيقي للبرامج من أجل بناء الإنسان السعودي القادر على التفاعل مع التغيرات المرحلية التي نواجهها، حيث يكون القطاع الخاص نصب عينيه، وأن تتكامل الجامعات مع المؤسسات والهيئات المهنية حيث تستطيع الجامعات توفير الكوادر التي تسهم في تغطية احتياجات القطاع الخاص من المهنيين القادرين على تطوير بيئة الأعمال في المملكة وتمكين القطاع الخاص من القيام بدوره في التنمية.