كانت على طرف اللسان

جملة نرددها كثيرا حين نعاني نسيان كلمة كانت على طرف اللسان نوشك أن ننطقها ولكنها تفر منا تنزوي في مكان ما في ذاكرتنا نعجز عن إخراجها منه، نتذكر كلمات قريبة منها وعلى وزنها ومرادفات لها وتختفي هي! تعرف هذه الظاهرة علميا بـ (ليثولوجيكا) ليثو تعني نسيان في اللغة اليونانية ولوجوس تعني كلمة!
فما أهمية هذه الظاهرة وما سببها، ما الذي يجعلك تنسى كلمة بسيطة قد تنغص عليك حياتك مثل ما حدث في رواية الكاتب الفرنسي باسكال كينيار (الاسم على طرف اللسان) التي جرت أحداثها في بلدة (ديفيس) العتيقة في زمن لم يكن أحد من الأرياف يعرف القراءة والكتابة وتدور حول خياط وسيم وقعت في غرامه جارته الفقيرة والماهرة في التطريز وعرضت عليه الزواج فوافق شرط أن تطرّز له حزاما فريدا وحين عجزت عن إنجازه وأدركها اليأس، طرق بابها فارس برداء أبيض وصديري مذهب، منحها حزاما مطابقا لحزام فتاها بشرط ألا تنسى اسمه، لأنها إذا نسيته فستكون بعد عام زوجة له!
وبعد مرور ثمانية أشهر نسيت الاسم الذي كان عالقا على طرف لسانها، لتتحول حياتها الزوجية مع الخياط إلى جحيم، بفعل الخوف والقلق من عودة السيد المجهول. فيضطر الزوج إلى الارتحال بحثا عنه في الغابات والجبال وتحت الأرض، وكلما نجح في القبض على ناصية الاسم أفلت منه بسبب المشقة والتعب وفرط الحماسة حتى يحقق المعجزة ويحظى بالاسم فيستعيد حياته!
في الواقع أدمغتنا ليست أجهزة كمبيوتر تخزن فيها المعلومات في ملفات منظمة نسترجعها بضغطة زر. يقول ستانفور المتخصص في علم النفس ذاكرتنا تعمل بشكل مذهل وتقوم بربط معلوماتنا القديمة بتلك المعلومات الجديدة ذات الصلة التي نريد تذكرها لاحقا بغض النظر عن أهميتها، وكلما كان استخدامنا لها قليلا في الحديث أو الكتابة يصعب علينا تذكرها، فالكلمات التي يستخدمها الشخص البالغ أقل بكثير من الموجودة في قواميس اللغات وخصوصا لغتنا العربية الثرية بالمفردات (أكثر من 12 مليون كلمة بينما الإنجليزية 600 ألف)، لذا تشاهد عديدا من المراهقين والبالغين لا يستطيعون تجميع جملة مفيدة في المقابلات التلفزيونية فتجده يتعثر ويتلعثم ليس خجلا بل لقلة حصيلته اللغوية، وأعظم مصدر لزيادة حصيلتنا اللغوية هو القرآن الكريم وخصوصا تعليمه في الصغر بالشكل الصحيح انظر لطلاقة الصغار من حفاظ كتاب الله سترى العجب!