من الأجدر برئاسة أمريكا؟
بدأت فترة الانتخابات الثامنة والخمسين لرئاسة الولايات المتحدة، المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2016، والذي سيفوز بها سيكون الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة. ومن أبرز المرشحين من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، ومن الحزب الجمهوري دونالد ترامب بعد أن أعلن ستة من مرشحي الحزب الجمهوري انسحابهم.
ونريد في هذا المقال أن نحلل الموقف لنستشف مَن هو الأجدر برئاسة أمريكا وفقا للظروف الحالية وسمات كل شخصية. يمتلك ترامب قائمة طويلة من الإنجازات، فإضافة إلى سمعته التي اكتسبها من برنامج “ذي أبرينتيس” التلفزيوني الشهير، استطاع أن يبني شهرته وثروته في قطاع العقارات التجارية. وقد غير الحياة في مدينة نيويورك وحولها إلى مدينة تختلف عن بقية المدن الأخرى في الولايات المتحدة، فقد بنى أفخر وأشهر عمارات المكاتب والسكن والفنادق والكازينوهات في حي مانهاتن بنيويورك. وأسس برج ترامب في الجادة الخامسة أشهر أحياء نيويورك، الذي يحتوى على متاجر هائلة وشقق بإيجار يتعدى ملايين الدولارات.
كما أن لديه قدرة عجيبة على تحويل العقارات غير المجدية وغير المربحة إلى أخرى تدر الأموال الطائلة. وله قدرة أيضا على الخروج من الأزمات، فقد اضطر في نوفمبر 2004 إلى الإعلان عن إفلاس شركة "ترامب هوتيل أن كازينو ريزورت"، إلا أنه سرعان ما خرج من محنته تلك بسلام بحلول مايو 2005.
كما أن ترامب كاتب جيد ومؤلف متألق، فقد كتب مجموعة من أكثر الكتب مبيعا، ومن أبرزها كتابه "فن عقد الصفقات". وهو معروف حول العالم كأحد أكثر الأشخاص إلهاما لمن يحلمون بالنجاح، واستطاع أن يبني لنفسه اسما لامعا يتحدث الناس عنه. هذا باختصار أهم أعمال ترامب، ومن أراد المزيد فليعد إلى سيرته الذاتية ليعرف كيف يبني الإنسان ذاته.
أما هيلاري كلينتون فهي شخصية استعراضية أكثر منها شخصية دولة ومتخذة قرار، وقد تألقت في المحاماة والقانون أكثر من السياسة. فالمتتبع لسيرة كلينتون يتبين أنها اشتهرت في القانون. فقد أدرجت مجلة القانون الوطنية اسم هيلاري كلينتون في قائمة "المائة محامين الأكثر تأثيرا في أمريكا" عن الفترة من عام 1988 حتى عام 1991. وقد استثمرت نجاحها في القانون لتدخل عالم السياسة. ومارست بالفعل العمل السياسي فترة طويلة، إلا أنها لم تحرز أي نجاحات جوهرية كما فعلت في مجال المحاماة، وهي بذلك تغطي عجزها السياسي بالظهور والأناقة وقدرتها على الحديث. وقد مارست كثيرا من الأعمال السياسية إبان أن كانت السيدة الأولى في البيت الأبيض وعند تقلدها وزارة الخارجية في عهد الرئيس الحالي أوباما، وفي كلتا الحالتين لم تضف أي شيء يذكر للسياسة الأمريكية. فقد فشلت في كثير من المهام، منها فشلها في مبادرتها الأولى الخاصة بخطة كلينتون للرعاية الصحية لعام 1993 في الحصول على أي أصوات في الكونجرس.
ولم تترك لها أي أثر كوزيرة خارجية مثل الأثر الذي تركه كثير من وزراء الخارجية الأمريكية السابقين أمثال هنري كيسنجر وجيمس بيكر وغيرهما. لقد كانت كلينتون إبان توليها حقيبة الخارجية الأمريكية تعمل شيئين لا ثالث لهما، وهما إلقاء الخطب والتنقل بين عواصم العالم. فقد قامت كلينتون بزيارة بلدان عديدة أكثر من أي وزير خارجية أمريكي سابق، كما أنها تعشق المناظرات، فعند تركها منصبها في وزارة الخارجية تفرغت لتأليف كتابها الخامس وإقامة المناظرات.
من خلال استعراضنا أبرز خصائص هاتين الشخصيتين وفي رأيي الشخصي أن ترامب هو الأجدر بين المرشحين الحاليين لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة من كلينتون لعدة أسباب. المرحلة الحالية تحتاج إلى قوة وحزم أكثر من ذي قبل. فأوباما ومن قبله بوش الابن أضرا بأمريكا أكثر مما أفاداها، حتى أننا رأينا الضعف يدب في أوصالها. وعندما تضعف أو تنهار دولة عظمى كالولايات المتحدة فسيتبع ذلك انهيار مؤسسات دولية ومالية، بل سيمتد أثره إلى الاقتصاد العالمي برمته. بطبيعة الحال يتحمل بوش الابن جزءا كبيرا من هذه المأساة من جراء حملاته التي أرادها صليبية على العالم الإسلامي، التي باءت بالفشل، وكانت حماقاته السبب الرئيس لتناقص هيبة وقوة أمريكا، ولكن كان من الممكن لأوباما أن يفعل شيئا لترميم ما أفسده بوش.
هذا سبب، وهناك سبب آخر لجدارة ترامب، وهو أن الدول بشكل عام - وليست الولايات المتحدة فقط - تحتاج إلى قادة لا يحملون الفكر السياسي فحسب، بل فكرا رأسماليا حقيقيا. بمعنى رجال يعرفون كيف يقودون الدول بعقلية المال الذي يعد قوة لا تقل عن القوة العسكرية والقوة السياسية. وترامب يحمل الفكر الرأسمالي الحقيقي، ولديه مهارات في تحويل السالب إلى موجب، والخروج من الأزمات ببراعة، ولتوضيح ذلك نحتاج إلى معرفة الفرق بين الرسمالية الحقيقية والرأسمالية الإدارية لعلنا نعود إليها في مناسبة قادمة إن شاء الله.
ولكن قبل أن أختم أريد أن أبين أنني أنكر على ترامب عداءه للمسلمين وللأقليات، وهذا عمل وقول لا يليقان برجل ترفع دولته شعار الحرية، وجميع من فيها مهاجرون من شتى أصقاع الأرض، ومنهم ترامب نفسه، فهو من أصل ألماني، هاجر جده فريدريك ترامب من ألمانيا عام 1869 إلى أمريكا وحصل على الجنسية الأمريكية بعدها بعدة أعوام.
فليست أمريكا لترامب، وليست كذلك للعرب، ولا لليهود، ولا لعرق بعينه، فهي بلد المهاجرين وبلد الحرية، وأظن أن إظهار العداء للأقليات وخصوصا المسلمين من قبل ترامب لا يخرج عن كونه ترويجا لحملة دعائية وكسب تأييد فريق يرى أهميته. ورغم هذا أرى أن التشكيك في قدرة ترامب على قيادة دولة عظمى في غير محله؛ لأنه يحمل فكر الرأسمالية الحقيقية.