رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


قبل تحفيز الكفاءات المميزة .. ماذا علينا عمله؟

المثال الآتي يوضح جزئيا صعوبة المحافظة على الكفاءات المميزة، فلو واجهك وأنت على الطريق الدائري ـــ مثلا ـــ اختناق مرور بسبب حادث تعطلت بسببه حركة المرور ولمدة طويلة. فلو كنت من أهل المدينة نفسها أو تعرف طرقها البديلة فإنك ستتجنب هذه الاختناقات عبر السير في الطرق الفرعية. لكن لو واجهتك هذه الاختناقات وأنت في مدينة لا تعرف إلا طريقا واحدا، فلا شك أنك ستضطر للانتظار لحين فك الاختناقات المرورية لأن الخيارات المتاحة محدودة لديك.
هذا المثال يعكس الفرق بين الكفاءات المميزة وبين الكفاءات غير المميزة من حيث تعدد الخيارات عندما تكون بيئة العمل طاردة للكفاءات. لذا يبقى السؤال أو التحدي الأكبر الذي يواجه صانع القرار يتعلق بكيفية المحافظة على الكفاءات المميزة، حيث لا تضطر لسلك مسارات فرعية. هذه المسارات الفرعية ليس بالضرورة الانتقال البدني من مكان العمل إلى عمل آخر ولكنها الانتقال الفكري والعلمي وهو الأخطر والأشد.
بعض المديرين يتعامل مع الكفاءات المميزة وغير المميزة بالتعامل نفسه بدعوى المساواة لكنه نسي أن تحقيق العدالة يتطلب التعامل مع كل موظف وفقا لإمكاناته ووزنه في سوق العمل وليس وفقا لمشاعر شخصية ومعايير شخصية غير صادقة في كثير من الأحيان.
قبل فترة ليست بالبعيدة، طلب مني المشاركة في كيفية تحفيز الموظفين في ظل محدودية المحفزات المادية. فالمحفزات التقليدية من خارج دوام وانتداب ودورات وغيرها أصبحت خيارات محدودة في ظل سياسة ترشيد الإنفاق. لذا لم يعد لدى مسؤولي وزاراتنا وجامعاتنا ومستشفياتنا وبقية مؤسساتنا الحكومية الكثير مما يمكنهم عمله خصوصا أن المحفز المالي لم يعد ورقة يمكن استعمالها لإيجاد حافز حقيقي للإنجاز والإبداع.
فهل بالفعل وفي ظل سياسة ترشيد الإنفاق لم يعد لدينا حوافز حقيقية يمكننا استثمارها؟ أم إنها موجودة لكنها تتطلب روح القيادة القادرة على توفير المحفزات المؤثرة في البيئة المحيطة؟
المشكلة الحقيقية التي تواجه مديري الدوائر الحكومية وغير الحكومية تكمن في كيفية ضمان مشاركة الكفاءات البشرية المميزة خصوصا أنها تجمع الخبرة العملية والعلمية. القاعدة العلمية في هذا السياق تقول إن تعدد الخيارات لدى الكفاءات البشرية يصَعب على صانع القرار إمكانية المحافظة عليها أو على أقل تقدير جعل أهدافها وأهداف المسؤول الأول للمنشأة مشتركة.
السؤال الأول الذي أطرحه في مثل هذه اللقاءات قبل الإجابة على السؤال الأساسي المتعلق بكيفية تحفيز الموظفين في فترة محدودية الميزانيات، هل بالفعل مديرو الإدارات الذين لديك هم من الكفاءات؟ وكيف حكمت على أنهم بالفعل كفاءات بشرية مميزة؟
ولمساعد مسؤول المنشأة في الإجابة عن هذا السؤال السهل والصعب في الوقت نفسه، أطلب منه عادة مراجعة أهم إنجازات مديري الإدارات خلال السنوات الخمس أو الثلاث الماضية على أقل تقدير، وهل بالفعل تم استثمار ميزانية الوفرة في تحقيق أهداف منشآتهم؟ وما طبيعة هذه الإنجازات؟ هل بالفعل تم تحقيق إنجازات وفقا لمخرجات حقيقية؟ أم أنها لا تتجاوز إنجازات ما يعرف بـ process دون تحقيق مخرج حقيقي outcome؟ قد يقول قائل لماذا لا تتم مراجعة معايير الأداء للحكم على أداء الموظفين؟
مشكلة كثير من المؤسسات الحكومية تركيزها على المدخلات أو process دون التركيز على المخرجات الحقيقية أو معايير حقيقية للأداء الفعلي. فواقع بعض منشآتنا أنها تضع معايير ليست بالفعل معايير لقياس الأداء الحقيقي وإنما مجرد أرقام تعكس مدخلات أو عمليات معينة. لذا فإن من أهم تحديات مسؤولي مؤسساتنا الحكومية عدم قدرتهم على التمييز بين الأهداف الحقيقية أو المخرجات الحقيقية وبين المنجزات الشكلية أو الانضباطية كما تسمى أحيانا. لذا فقد يصعب لديهم تقييم الكفاءات المميزة من غير المميزة لأنها لا تعرف أساس آلية احتساب الإنجاز الحقيقي وغير الحقيقي.
فإذا كانت الإجابة إن المنجز الحقيقي خلال فترة الوفرة محدود أن لم نقل منعدم، فكيف نتوقع تحقيق منجزات حقيقية في وقت محدودية الميزانيات؟ ففاقد الشيء لا يعطيه لذا فمن عجز عن الاستفادة من الميزانيات في وقت الوفرة المالية فمن باب أولى ألا يستفيد من الميزانيات في ظل سياسة الترشيد. لذا فعلى كل مسؤول وزارة أو هيئة حكومية أو جامعة مراجعة ما تم إنجازه خلال فترة الوفرة من قبل كل مديري الإدارات المختلفة لديه أولا قبل التفكير في كيفية تحفيز الموظفين في ظل سياسة الترشيد؟
فالخطوة الأولى تبدأ بتحديد هل بالفعل من يعمل تحت إدارتك هم من الكفاءات التي يجب المحافظة عليها؟ أم أنها كفاءات فشلت في تحقيق الأسهل فمن باب الأولى أن تفشل في تحقيق الأصعب؟ ولعله بعد الإجابة على هذا السؤال الأولي أن أتطرق في الأسبوع المقبل لكيفية تحفيز الموظفين في ظل محدودية الميزانيات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي