أضرار كبيرة من زيادة حوالات العمالة الوافدة
لم تعد الأرقام التي بلغتها حوالات العمالة الوافدة مجرد أرقام لا تضر الاقتصاد الوطني، بل أصبحت مبالغ ذات نتائج سلبية على مجريات الاقتصاد الوطني. ونلاحظ من أرقام التحويلات التي ينفذها الوافدون في السنوات الأخيرة أن الحوالات في ازدياد ملحوظ، وأن استمرار هذه الزيادة من شأنها أن تلحق ـــ في المستقبل ـــ أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني.
وإذا كانت الحكومة تنتظر من المواطنين أن يساعدوا طواعية على خفض معدلات الاستقدام، فإن هذا أمل بعيد المنال، بل المرجح أن يزداد الطلب على العمالة بمختلف مستوياتها، وبالذات العمالة في المستويات الدنيا.
ولذلك في الظروف التي يمر بها الاقتصاد حاليا نحن نحتاج إلى إعادة النظر في سياسة الاستقدام، حيث يكون من أهم أهدافها خفض الاستقدام وتقنينه بدلا من مجموعة مبعثرة وضائعة من التعليمات والقرارات.
إن مستوى المعيشة للمواطن السعودي في ارتفاع، وإن ارتفاع مستوى المعيشة سيؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة المنزلية، كما أن زيادة الاعتمادات في مشاريع الإسكان والطرق وبناء المدارس والكليات والمستشفيات ستؤدى إلى مزيد من الطلب على العمالة في كل المستويات، التي وصلت حتى الآن إلى نحو 90 في المائة من حجم العمالة في قطاع الإنشاء والتعمير، ونحو 85 في المائة في قطاع التجزئة، و75 في المائة في قطاع الصناعة.
وفي الوقت الذي كان الأمل أن يحدث تخفيض في معدلات الاستقدام، فإننا شاهدنا زيادة وزيادة ملحوظة في معدلات الاستقدام في السنوات القليلة الماضية.
وإذا كانت عيوب الاستقدام ـــ كما نعرفها ــــ كثيرة، فإن أكثر العيوب ضررا في المراحل الحالية هو الزيادة الملحوظة في حوالات العمالة الأجنبية التي ارتفعت نسبتها خلال ثلاث سنوات إلى 50 في المائة، وهذا من شأنه أن يلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني.
إن ارتفاع معدل التحويلات المالية للعمالة الوافدة خلال السنوات القليلة الماضية يأتي نتيجة ازدياد العمالة الوافدة في المملكة، خصوصا الزيادة الكبيرة التي حدثت نتيجة العدد الكبير من مشاريع التنمية التي تنفذ حاليا في جميع أنحاء المملكة، التي تتطلب استقدام عمالة وافدة من الخارج، ولذلك ارتفعت التحويلات إلى أكثر من 100 مليار ريال في العام، بخلاف الأموال التي يحملها معهم المغادرون أو الزائرون كأموال نقدية، وقد تكون هناك مبالغ أخرى نتيجة لما تحمله العمالة عند مغادرة البلاد، ولا ننسى أن هناك زيادة في أجور العمالة الوافدة.
إن السعودية تعتبر في المرتبة الثانية عالميا من حيث الحوالات المالية للعمالة الوافدة مقارنة بالناتج المحلي، وفي ظروف ارتفاع مستويات العوائد النفطية لاحظنا أن الميزان التجاري يحقق فوائد نتيجة ارتفاع قيم الصادرات النفطية وغير النفطية، وحينذاك لم تكن التحويلات المالية للعمالة الوافدة مؤثرة بشكل كبير، ولكن حينما تغيرت أوضاع السوق النفطية، وهبطت أسعار النفط، وبلغت أدنى مستوى يمكن أن نتصوره أصبحت حوالات العمالة الوافدة تؤثر سلبا في الميزان التجاري، إذن نؤكد أن هناك ضرورة للمعالجة وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة وزيادة الاعتماد على العمالة السعودية لخفض معدلات البطالة وخفض حوالات العمالة الوافدة إلى الخارج.
ببساطة إن تحويل الأموال يعني تسريبا للأموال من داخل الاقتصاد في صورة هذه الحوالات المالية ذات الأرقام المليارية.
وإذا كان واجب الحكومة أن تشد لجام الاستقدام، فإن من أوجب واجبات المواطن أن يساعد الحكومة على خفض معدلات الاستقدام، وفي تقديري فإن خفض معدلات الاستقدام لن يتأتى إلا من خلال تطوير ثقافة العمل لدى المواطن السعودي، ولعل التدريب الذاتي يجب أن يحتل عند الشباب المكانة الأولى في برنامج طموحهم الشخصي.
إن تطوير ثقافة العمل لدى المواطن السعودي تبدأ من المواطن نفسه الذي يتطلع إلى ذاته ويبحث عن تحسين مهارته، وزيادة كفاءته، ويجب أن نعترف جميعا أن السعودي يُنعت بضعف المهارة، ويُنعت بانخفاض الإنتاجية، ويُنعت بأنه إنسان غير منتج وغير منضبط.
ولذلك حان الوقت كي يعود المواطن إلى ذاته ويعمل على تطوير ثقافته ويقبل العمل في كل مجالات الحياة بعيدا عن سلوكيات التأفف والغطرسة، بل حان الوقت كي يقوم الشباب بكل خدمات الوطن ولا توجد وظيفة دونية ووظيفة شرفية، بل كل وظائف التنمية هي شرف لكل مواطن.
إن زيادة تحويلات الوافدين قضية يجب أن نتحرك جميعا للحيلولة دون زيادتها حتى لا تلحق أضرارا جسيمة باقتصادنا الوطني، وإن من أهم أسباب خفضها هو خفض معدلات استقدام العمالة من الخارج.
ونقول صراحة إن المواطن السعودي في موقف لا يحسد عليه وأمامه ـــ في سوق العمل ـــ تحديات حقيقية، ولقد علت صيحات رجال الأعمال تشكو من تواضع مستوى العامل السعودي، وتطالب الشباب السعودي أن يذهبوا إلى مراكز التدريب ليأخذوا قسطا كبيرا من الكفاءة والمهارة التي تعود عليهم وعلى الاقتصاد الوطني بالخير والفائدة.
إننا نؤكد جميعا أن سوق العمل السعودية تشكو من عيوب هيكلية وفي مقدمتها النقص الكبير في مهارة وكفاءة العامل السعودي، وليس أمام الإنسان السعودي إلا أن يشمر عن ساعديه ويتقدم بثقافة متجددة نحو سوق تتعطش إلى الكفاءة السعودية قبل الكفاءة الأجنبية.