فواتير المياه والتأثير في حجم الاستهلاك
فوجئ كثير من الناس أخيرا بالارتفاع الكبير في قيم فواتير المياه، التي لم يكونوا يعتبرونها شيئا مذكورا. وقامت شركة المياه الوطنية بإرسال فواتير مياه تحوي معلومات مشوشة عن تكاليف المياه للفترة الماضية. وتضمنت الفواتير فترات استهلاك طبقت فيها رسوم المياه الجديدة والقديمة في الوقت نفسه، ولم توضح الشركة للمستهلكين الفترة التي طبقت فيها الرسوم الجديدة. وعلى العموم لم تتطرق الشركة ووسائل الإعلام إلى قضايا وتأثير رسوم المياه الجديدة على فواتير المياه، ولا حجم ونسب الزيادة في تكاليف المياه. وأعتقد أن من حق جميع المستهلكين التعرف على تأثير الرسوم الجديدة على قيم فواتير المياه لكي يكونوا على بينةٍ من أمرهم. وقد أضيفت إلى الرسوم الجديدة تعرفة لعداد المياه، كما تضمنت إضافة نصف تكاليف المياه لفاتورة المياه مقابل خدمات الصرف الصحي في حالة توافرها.
وتم في التعرفة الجديدة خفض شريحة الاستهلاك المخفضة جدا من 50 إلى 15 مترا مكعبا في الشهر للوحدة السكنية الواحدة، كما تضمنت إضافة تعرفة قراءة العداد ورسوم التصريف الصحي، ما رفع تكاليف 15 مترا مكعبا الأولى من 1.5 في الشهر إلى 7.25 ريال، وهي زيادة كبيرة نسبيا ولكنها محدودة بعدد الريالات. وزادت تكاليف استهلاك أول 30 مترا مكعبا من المياه شهريا بنحو تسعة أضعاف، ولكنها ما زالت محدودة بعدد الريالات، حيث ارتفعت من ثلاثة ريالات إلى 30 ريالا في الشهر. أما تكاليف استهلاك 45 مترا مكعبا من المياه، فقد قفزت بنحو 20 ضعفا إلى 97.25 ريال في الشهر. ويبلغ معدل استهلاك الفرد في المملكة نحو 250 لترا حسب ما تفيد به البيانات الرسمية، بينما يصل متوسط عدد أفراد الأسرة ستة أفراد. ولهذا فإن شريحة الاستهلاك البالغة 45 مترا مكعبا في الشهر قد تكون الأقرب لمتوسط الاستهلاك الأسري الشهري.
وتتصاعد قيمة فاتورة المياه مع ارتفاع حجم الاستهلاك، حيث تبلغ 187.25 ريال في حالة وصول الاستهلاك الشهري إلى 60 مترا مكعبا، ثم تتجاوز 500 ريال عند اقتراب الاستهلاك الشهري من 100 متر مكعب في الشهر، وتتجاوز 2000 ريال في حالة وصول الاستهلاك إلى 300 متر مكعب شهريا. ويرتفع استهلاك المياه مع زيادة مساحة المنازل، وعدد قاطنيها، ودرجات الحرارة، وانخفاض معدلات سقوط الأمطار، وزيادة الدخول، والمساحات المزروعة، ووسائل الترفيه كالمسابح والبرك. وعموما فعلى الأسر الكبيرة التي تقطن في فلل أو بيوت كبيرة توقع زيادة تكلفة المياه إلى أكثر من 500 ريال في فترة الصيف، أما من لديهم مسابح وحدائق كبيرة نسبيا تزيد على 20 مترا توقع زيادة تكاليف المياه إلى ألف أو حتى ألفي ريال في عدد من أشهر السنة.
وجاءت نسب الارتفاع الكبيرة في تكاليف المياه بسبب تدني تسعيرة المياه السابقة والخفض الكبير في شرائح الاستهلاك المخفضة. وستقود هذه الزيادات إلى التأثير في أحجام الاستهلاك ولكنها لن تخفضه كثيرا في الأمد القصير، حيث تعتبر المياه من المواد الضرورية والأساسية للمعيشة. أما في الأمد الطويل، فستقود الأسعار الجديدة إلى خفض مساحات الحدائق العامة والخاصة، وإلى التخلي عن زراعة بعض النباتات كثيفة الاستهلاك للمياه، وخفض استخدام وسائل الترفيه المستخدمة للمياه. وستقود التعرفة الجديدة إلى رفع أهمية ترشيد المياه وميل المستهلكين إلى استخدام وسائل وتقنيات الترشيد خصوصا في المنازل الجديدة، وقد تؤثر في أحجام ومساحات المنازل. وسيكون تأثيرها محدودا في الحيازات الصغيرة كالشقق.
إن أسعار المياه العامة الجديدة ليست بعيدة عن معدلات الأسعار العالمية، ولكن رفعها بقوة وبسرعة سيولد - مع قدوم فصل الصيف - صدمة لدى الكثير من الأسر التي تقطن وحدات سكنية مستقلة كالفلل. وسيقود ارتفاع تكاليف الماء والكهرباء إلى خفض دخول الأسر الحقيقي، خصوصا ذوي الدخول الثابتة والمنخفضة. ولهذا ينبغي مناقشة قضايا تعويض الأسر الكبيرة منخفضة الدخل كالمعتمدين على الضمان الاجتماعي عن الدخل المفقود الناتج عن رفع الأسعار.