الفقراء يدفعون أكثر
هذه مفارقة غريبة لهذا الزمان، الفقراء يدفعون أكثر من الأغنياء والشعوب الفقيرة تدفع أكثر لمصلحة الشعوب الغنية، والأكثر فقرا يدفع للأكثر غنى، وثراء الأثرياء يأتي غالبا من جيوب الفقراء.. فكوب قهوة صغير ندفعه لواحدة من الشركات الكبرى، يعادل عشرة كيلوات من البن الفاخر تم شراؤه من فقير معدم في قارة إفريقيا، تلك القارة التي جعلتها البشرية من القدم وبسبب فقرهم، ورقة حالهم "مخزنا بشريا للرق الأسود".. وإن حرمت العبودية جسدا إلا أنها لم تزل حتى الآن سارية طاغية ملحدة بكل قيمة أخلاقية وإنسانية، لا تزال إفريقيا ترزح في عبودية مذلة من أجل الألماس، ومناجم المعادن، وثرواتها المستلبة في كل شيء.. لقد حرر العبد هناك، ليعاد استعباده بطريقة أقل تكلفة، وأكثر قسوة، وأعظم رذيلة مما كانت عليه العبودية الجسدية المباشرة .
كأنما الجزء الأكثر ثروة وقوة من البشرية يعاقب الفقراء لكونهم فقراء وغير متعلمين، لعلها "جزية الجهل" التي تُستوفى بلا رحمة، فمن تقارير شركات العقاقير الطبية أن العقاقير غير المجازة للاستعمال الآدمي، يتم تجريبها في الدول الأكثر فقرا دائما، ولا تمانع دولهم المتحضرة جدا من إنتاجها شريطة أن تكون خاصة بالتصدير وعدم بيعها في السوق المحلية، رغم معرفتها بعدم جواز استعمالها من قبل الإنسان، وأنها لا تزال تحت التجربة الحيوانية، كحبوب منع الحمل، وأدوية السرطان، والإيدز، وكثير من المبيدات الزراعية المحرمة في الاتحاد الأوروبي لدرجة السمية المسممة للمياه الجوفية.
الأكثر جوعا وفقرا وجهلا يتم التعامل معهم غالبا كمخزون بشري لتجارة الأعضاء كما في الصين والهند وإفريقيا، وأخيرا تم الكشف عن شبكات دولية متخصصة في بيع الأطفال من هذه الدول لدواعي التبني أو من أجل انتزاع أعضاء داخلية منهم لا حقا.. هذه حقائق مروعة ولا يكاد يصدقها أحد.. ولكنها تعبر علينا مع كل فضيحة جديدة أو ظهور ضحايا جدد.. دولاران يوميا مبلغ يعد مرتفعا جدا لعدد غير قليل من النساء في الهند والفلبين اللائي يعشن تحت خط الفقر.. من أجل تجريب الحبوب الجديدة لمنع الحمل عليهن، وحين تصاب بالسرطان، يستمر تجريب أدوية جديدة لمكافحة السرطان عليها، وحين تموت بسبب هذا كله يتم بيع جسدها لكليات التشريح والطب عبر العالم.
الفقير يشتري سيارة الغني بعد أن تصبح متطلبة وخارج الضمان وبدأ يدفع لتجار قطع الغيار أرباحهم، ولملاك الورش أرباحهم، وللمصانع المنتجة لقطع الغيار المقلدة أرباحهم.. ثم يبيعها بثمن بخس تالفة! ليعود للقصة من جديد مع سيارة مستعملة أخرى يتمنى أن يكون حظه فيها أحسن وأفضل.. إنه يدفع أرباح الجميع حين يقرر أن يقتني سيارة ولكن الغني يدفع للمورد والوكيل فقط لمرة واحدة.. والفقير يدفع للجميع طيلة الوقت وباستمرار ودون توقف ..
الغني دائما يتلقى دعوات الطعام الفاره، والحضور في كل المناسبات، بينما الفقير الذي هو فعلا في حاجة إلى الطعام قلما يتلقى دعوة مجانية، أو طلب حضور مدفوعة الإقامة .. النظام العالمي يرحب بالأكثر ثراء، حيث يجعل استضافتهم جزءا من الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تنتهي غالبا بأسوأ استغلال للموارد الطبيعية واستعباد الإنسان والتهرب من التوظيف الوطني والضرائب والمسؤولية الاجتماعية وأي سبب يوصل إليهم بسميات كاذبة كالتجارة الدولية، أو الاستثمار الأجنبي. وفي أكثرها هو نهب كل شيء يمكن نهبه مقابل الفتات الذي يناله أبناء الوطن الأصليون. دائما الفقراء يدفعون أكثر في كل شيء.