رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إيران في حالة تغيير

نظرا لدور إيران في المنطقة حاولت البحث عن آفاق التطورات البعيدة المدى في ظل التركيز السياسي. التركيز على إيران يأتي من خلال نزعتها التوسعية والبرنامج الذري، ولكن هذا تعبير عن خيارات النخبة السياسية خاصة استغلالها للنزعة الدينية، حيث إن للثورة بعدا أيديولوجيا ظاهرا. ولكن إيران لها تاريخ قديم في الحكم والتغير والتوسع والانكماش. على الرغم من أهمية تصرفات إيران الخارجية إلا أن السياسة الخارجية امتداد للسياسة الداخلية، ولذلك علينا معرفة ما يدور في إيران داخليا. التغيرات الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإيراني وتعامل الحكومة مع التوجهات القومية والعلمانية تحد كبير في وسط بدأ يسأم ويعارض بنشاط الهيمنة الدينية، وينادي بالعودة إلى الجذور الفارسية ثقافيا واجتماعيا على حساب القواعد الإسلامية التي يقوم عليها النظام الحاكم.
الصراع الاجتماعي غالبا ما يكون جيلي الطابع. يقسم الباحثون السكان إلى ثلاثة أجيال، الأول من هم أقل من 40 ـــ غالبا من جاء الدنيا بعد الثورة وهؤلاء يشكلون نحو 75 في المائة من السكان ولكن لأغراض الحراك الاجتماعي نحو نصف السكان، والجزء الثاني من هم بين 40 إلى 60 عاما، وهؤلاء جيل غير مؤثر إذ إن نحو مليون منهم قتل في الحرب وجزء آخر هاجر في ظل الصعوبات السياسية والاقتصادية، والجزء الثالث من هم أعلى من 60 وهؤلاء أقرب إلى النظام الحاكم وجيل الثورة ولديهم القرار السياسي. الثقافة الفارسية لها نزعة علمانية مستقلة، ولذلك تحاول هذه التيارات إعادة وجودها على الساحة العامة والتشبث بالأصول العرقية والممارسة العلمانية في محاولة لمقاومة الطبقة الحاكمة التي حققت الاستقلال ولكنها لم تحقق نجاحات اقتصادية أو اجتماعية أو انفراجا سياسيا. هناك عدة مواقف جماعية مناهضة للنظام من خلال الفضاء الاجتماعي ولكن أهمها الحركة الخضراء التي أخذت بشعارات قومية وعلمانية "الاستقلال والحرية والجمهورية الإيرانية"، في اختلاف جوهري عن قاعدة الأمة الإسلامية وخاصة في المناداة بجمهورية إيرانية وليس إسلامية وفصل الدين عن الدولة.
الحراك الاجتماعي يعبر عن شعور الناس. جاء التعبير الاجتماعي من عدة تصرفات، فالكثير من الناس بدا يسمى أطفالهم بأسماء فارسية مثل سايروس بدلا من محمد وعلي في خلاف واضح مع فترة حكم الشاه، كما أن البعض بدأ في تحول ديني وخاصة إلى المسيحية والبوذية والزرادشتية القديمة. كما أن الكثير بدأ لا يستخدم كلمة "سلام" للتحية بل يستخدم كلمة فارسية بديلة. كما أن التهجم على الحجاب والاختلاط بين الجنسين في تزايد كأحد أساليب رفض أسلمة المجتمع. كذلك تزايد زوار قبر فردوسي في مشهد إلى حد المساواة مع زوار ضريح الإمام الثامن للشيعة. الحكومة منزعجة من هذه التصرفات لأنها تدريجيا تأخذ بعدا سياسيا يقوض أركان النظام. لذلك تسعى الحكومة للحد من هذه التصرفات مرات بالعنف والحد من استخدام الشبكة العنكبوتية، ولكن الحكومة أيضا على قدر من المرونة إذ تذكر الأبحاث أن الحكومة الإيرانية ليست سلطوية نقية كما في كوريا الشمالية وليست أيضا تعددية ديمقراطية واضحة. ولذلك تستطيع الحكومة التكيف مع هذه التغيرات في القيم المدنية والتوجهات الاجتماعية والسياسية.
فمثلا حاول أحمدي نجاد جذب التأييد للبرنامج الذري وكأنه مشروع قومي مثيل لتجربة مصدق مع تأميم النفط. وذكر روحاني في كلمة 2013 أن المرأة ممكن أن تكون عفيفة دون حجاب وأن الاختلاط حق. وذكر مشاعي مساعد نجاد أنه حان الوقت للتحرك من مرجعية إسلامية إلى مرجعية قومية. ولكن الحكومة أخذت أيضا بخطوات عملية لاسترضاء التوجهات القومية والعلمانية. مؤسساتيا دعمت الحكومة أكاديمية اللغة الفارسية فهذه بدأت بتنقية اللغة الفارسية من الكلمات الأجنبية وخاصة العربية، والمشروع الثاني إنتاج فيلم عن إمبراطور فارسي قبل الإسلام ـــ سايروس العظيم. يستخدم هذا المشروع اسم "مهر ميهان" ـــ مهر تعني الحب وميهان تعني الشعب وليس الوطن التي ارتبطت بالإسلاميين، الأول يهدف إلى العلمنة والثاني إلى القومية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي