المحاكم العمالية .. تأخير غير مبرر
كان من المفترض أن يشهد مطلع هذا العام بحسب تصريحات المسؤولين في وزارة العدل وتحديدا بتاريخ 12/1/1437هـ انطلاق المحاكم العمالية في المملكة، ضمن برنامج "الملك عبد الله لتطوير القضاء" الذي بدأ العمل فيه قبل خمس سنوات وأعيدت بموجبه هيكلة الجهاز القضائي من خلال تأسيس "محاكم الأحوال الشخصية، والمحاكم الجزائية، ومحاكم الاستئناف، ومحاكم التنفيذ". وقد تحقق الكثير من أجندة المشروع على أرض الواقع فيما عدا "إنشاء المحاكم العمالية" و"المحاكم التجارية". ما يهمني هنا هو هذا التأخير المقلق في إطلاق "منظومة المحاكم العمالية" التي تقرر لها أن تكون في المرحلة الأولى بخمس محاكم في الرياض، وجدة، والدمام، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة، إضافة إلى 34 دائرة عمالية ملحقة بالمحاكم العامة.
ولكن صدمنا بخبر تأجيلها للمرة الثالثة فمن خلال متابعتي للمشروع والتصريحات العمالية للمسؤولين في وزارة العدل، كان يفترض أن تنطلق أعمال المحاكم مطلع عام 1436هـ ثم تأجلت إلى 1437هـ ثم أعلن وزير العدل أن هناك تأجيلا آخر لمدة عامين.
والحقيقة أن هذا التأخير يكلفنا مزيدا من المشكلات المتراكمة في سوق العمل الذي يعد واحدا من أكبر أسواق العمل في الشرق الأوسط، ويضعنا في حرج بالغ أمام الجهات الدولية والإنسانية. هذا الأمر يعرفه المهتمون بتنظيم سوق العمل، وتقر به أيضا وزارة العمل التي تواجه لجانها العمالية بإمكاناتها المتواضعة سيلا من القضايا لا تنتهي، تجاوزت معه القضايا العمالية 11 ألف قضية سنويا نصفها للعمالة الوافدة. ويظل المتقاضون، وهم الطرف الأضعف، أمام هذه اللجان أشهرا عديدة وربما سنوات وهم ينتظرون حقوقهم المسلوبة.
وفي تفاصيل هذه القضايا ما يدمي القلب فكم من شركة استقدمت مئات العمالة وتركتهم في الشوارع دون رواتب؟ وكم من مؤسسة احتجزت جوازات عمالتها واستغلت جهلهم بالنظام وأساءت لهم؟ وكذلك قضايا الفصل التعسفي للمواطنين ومخالفة أنظمة العمل وإجبار العاملين على العمل دون إجازات أو برواتب غير المعلنة وغيرها من المخالفات التي لا ينفع معها إلا نظام قضائي حازم يعيد الهيبة لسوق العمل، وينصف المظلومين، ويخرجنا من هذا الحرج الذي يتراكم يوما بعد يوم بسبب هذه الممارسات التعسفية التي يقودها أفراد جهلة شوهوا صورة مجتمع كامل بسبب ثغرات التقاضي الحالية.
إنني لا أجد عذرا لهذا التأجيل من قبل وزارة العدل وهي لديها جميع الإمكانات البشرية والمادية.
من خلال "مشروع تطوير القضاء"، فضلا عن وجود أرضية جيدة من خلال خبرات اللجان العمالية في وزارة العمل التي بموجب النظام سيتم نقلها إلى وزارة العدل، وهذا سيخفف الأعباء على وزارة العدل خاصة أن الوزارة نفسها بدأت مشروع تدريب القضاة المتخصصين في القضايا العمالية قبل عامين وسيكون لدى كل قاض مستشار في أنظمة العمل يساهم في مساعدة القاضي بإصدار الحكم الصحيح وحسم القضية وليت المسؤولين في وزارة العدل يدركون معاناة الناس ويرفعون الحرج عن أنفسهم ومجتمعهم ويبشروننا بتدشين مرحلة جديدة من محاكم العمل والعمال في وقت قريب.