رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعليم الفني .. أولا

إن برامجنا التعليمية ما زالت حتى الآن تضع التعليم الأساسي في المرتبة الأولى من التعليم العام، بينما تجارب الدول المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية قامت على التعليم الفني، الذي نقل هذه الدول من دول نامية إلى دول متقدمة.
وإذا فتحنا ملف التحول الاقتصادي، وهو المشروع الاقتصادي الكبير الذي تعكف الدولة على تصميمه حاليا.. نجد أن التعليم الفني هو حجر الأساس في هذا المشروع.
ولذلك أتساءل: لماذا لا تعلن الدولة أن التعليم الفني أولا، وأنه يحتل المكانة الأولى في خياراتها التنموية، وأن التعليم الأساسي يأتي في المرتبة الثانية بعد التعليم الفني.
إن المعاهد والكليات الفنية ومراكز التدريب المهنى.. هي المراكز التي تشع منها أنوار التقدم وهي المعاهد التي تخرج الكوادر التي تحقق التقدم وتصنع الطفرات وتجلب الثراء، أما الجامعات والمدارس التقليدية، فإنها تخرج الكوادر البيروقراطية التي تسير أمور العمل وربما تضع أمامه كتلا من الروتين المعرقل للإنجاز، ولذلك كل الدول المتقدمة لم تصبح دولا متقدمة إلا من خلال معاهدها وكلياتها الفنية، وكل الدول المتخلفة أو النامية لم تصبح دولا نامية إلا من خلال كلياتها ومدارسها التقليدية.
إن المشهد الحالي في سوق العمل يبدو وكأننا لم نعنَ قط بالتعليم الفني ولا التدريب المهني، رغم أن التعليم الفني والتدريب المهني كان وما زال في صلب السياسة التعليمية والتدريبية للمملكة، واحتل التعليم الفني والتدريب المهني شطرا كبيرا من اهتمامات الحكومة وانشغال المجتمع طوال ما يقرب من نصف قرن.
والمشكلة تصل إلى درجة الذهول إذا قرأنا أرقام الميزانيات التي خصصتها الدولة للتدريب المهني والتعليم الفني منذ 50 عاما حتى اليوم. لقد صرفت الدولة مليارات المليارات من الريالات وبسخاء شديد من أجل بناء معاهد وكليات بمواصفات الدول المتقدمة التي تخرج كوادر وطنية تقود ملحمة الثورة الصناعية والفنية.
لقد كان الجميع يتوقع أن تبني المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني بميزانياتها المستقلة وانفرادها بسلطات مطلقة صرحا من الكوادر الفنية السعودية القادرة على المضي قدما لتحقيق برامج ومشاريع التنمية المستدامة، بل أكثر من هذا كنا نتوقع أن تكون مخرجات المؤسسة بنفس مستوى مخرجات المعاهد في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا.
بمعنى كنا نأمل أن يكون الفني السعودي بنفس مستوى ومهارة وإنتاجية الفني الأمريكي والفني الياباني والفني الأوروبي والفني الكوري.
ولماذا لا، وقد وفرت الدولة المال اللازم والإمكانات اللازمة لتخريج كوادر سعودية بمواصفات كوادر الدول المتقدمة نفسها التي تصل إنتاجية عمالها إلى أعلى الإنتاجيات، إن المواطن السعودي لا ينقصه الذكاء ولا تنقصه الفطانة أو النجابة حتى يصنف في المستويات الأدنى مع الفنيين الضعفاء قليلي الحيلة. إن مستوى ذكاء وفطنة الإنسان السعودي هو في المعدلات الطبيعية لأي إنسان في أي مكان من العالم المتقدم، إذن نحن نسأل المسؤولين في المؤسسة: لماذا خريجو المعاهد الفنية ضعفاء في مهاراتهم وفي إنتاجياتهم وفقراء في علومهم، ولماذا تشكو المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من سلوكياتهم؟ دعوني أكرر السؤال مرة أخرى: لماذا الإنسان السعودي أقل عطاء وأقل مهارة وأقل قدرة من الإنسان في أي مكان من العالم المتقدم؟
وإذا عدنا إلى الصحف في سنوات غابرة عند افتتاح المعهد الملكي في الرياض أو افتتاح الكليات الفنية أو مراكز التدريب المهني في أماكن أخرى من المملكة، فإننا سنقرأ تصريحات صحافية للمسؤولين يقولون فيها إن معايير التخرج في معاهدنا هي نفس معايير تخرج أكثر الدول تقدما في العالم، ولكن ـــ للأسف ــــ حينما نواجه واقع سوق العمل السعودية اليوم.. نجد أن إنتاجية ومهارة العامل السعودي "هذا إن وجد" في أدنى المستويات مقارنة بإنتاجية ومهارة أي عامل في أي دولة أخرى.
إن استغراقنا في البيروقراطيات حجب عن رؤانا التنقيب عن الثروات الحقيقية وهي ثروة الموارد البشرية.. الثروة الأغلى من البترول، ولو تنبهنا إلى ثروة الموارد البشرية قبل 50 عاما وأعطيناها حقها من الاهتمام لكنا اليوم في مصاف الدول المتقدمة.
وأرجو ألا يكون مستغربا أمام واضعي السياسات التعليمية والمهنية في السعودية أن بعض المؤسسات في الدول المجاورة التي تعاني البطالة بدأت تعالج البطالة المستشرية في بلادها عن طريق وضع برامج تعليمية ومهنية تلبي طلبات سوق العمل في دول الخليج، وأنها باشرت في دعوة شبابها إلى الالتحاق بهذه البرامج التي تلبي كل شروط الطلب في سوق العمل الخليجية، وستقفز هذه الكفاءات المدربة على الوظائف في السوق الخليجية قبل أن يصلها الإنسان الخليجي المدهون بدهان الكسل والتقاعس.
أما وأن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لم تستطع أن تخرج هذا المستوى الرفيع من الفنيين السعوديين، وأنها فشلت في توفير حتى 10 في المائة من احتياجات السوق السعودية من الفنيين، فإننا نقترح بقوة تحويل التعليم الفني والتدريب المهني إلى القطاع الخاص، وأن تقوم المؤسسة بدور الرقيب والمشرف والمتابع، الذي يراهن على أعلى المواصفات في مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني، أو لنقل إعطاء المؤسسة دور إدارة الدفة، كما يقول سايمون مقابل إعطاء دور التجديف للقطاع الخاص.
ويجب أن يكون في علم الجميع أن الهدف من خصخصة التعليم الفني والتدريب المهني هو تخريج الفني السعودي بالمواصفات اليابانية أو الأمريكية أو الأوروبية. ولسنا على استعداد لتضييع مزيد من الوقت والمال من أجل تخريج فنيين بمهارات وإنتاجيات الدول المتخلفة.
لقد مضى أكثر من 50 عاما من تاريخ التعليم الفني والتدريب المهني، والنتيجة أنه لا توجد كوادر سعودية واضحة للتعليم الفني ولا التدريب المهني، بل العكس من ذلك يوجد سرب من الفنيين المستقدمين من الخارج وما زالت الشركات والمؤسسات تتسابق في كل يوم على استخراج التأشيرات من أجل ملء الوظائف الشاغرة بالفنيين الوافدين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي