بثينة.. تركت لهم أن يسخروا منك
من بثينة ل. د: "أنا فتاة سعودية من أب سعودي، تزوج أبي امرأة مسلمة من الشرق الأقصى. ولقد شاء الله أن آخذ كل مواصفات والدتي. فمظهري يوحي بشكل أكيد وكأني أنتمي لدول الشرق الأقصى. عشت خائفة كل حياتي، فمنذ الروضة تأتي أمي فتقول لي المدرسة: "فيه شغالة تبي تأخذك"، وهذه التي سميت شغالة هي أمي. ثم شاع اسمي بـ "بنت الشغالة" طوال مراحلي الدراسية. وعشت منطوية منكسرة، ولما أناقش في مسألة وطنية كل مرة تقوم من تخرسني متحمسة وتقول لي: "اخرسي أنت لست سعودية..!" وأخرس. تعلمت أن أمشي ورأسي في أقدامي حتى لا يعترضني أو ينظر إليّ أحد. قلت هذه النعوت نوعا ما في الجامعة. السنة هذه هي التي أدرس فيها كمحاضرة في الجامعة "معيدة" لتفوقي، وصدف أن مررت ببنتين إحداهما طالبة عندي، وإذا الأخرى تقول: "هذي الشغالة هي مدرستكم". أريد توجيهك.
الرسالة طويلة ومملوءة بالحزن. لذا أقول لبثينة: لا تلومي أحدا أبدا بل لومي نفسك!
أنت يا بثينة لن تستطيعي إخراس كل الناس، ولا أنت ولا أنا نستطيع أن نؤدب كل الناس، بعضهم يقول ذلك لا يقصد فيها تعييبا، فهذا ما سمعوه من وسط اجتماعي وأسري، وكل وعيهم أن هذا الجنس شغالة، وذاك الجنس كذا. هنا من يغير؟ أنت!
الفتاة الأمريكية السوداء "روزا باركس"، أثناء ذروة الاحتقار الأمريكي الأبيض في الولايات الجنوبية للسود لما منعت من ركوب قسم الحافلة المخصص للبيض أصرت أن تعتز بكرامتها، وهي الشعلة المباشرة التي أشعلت حبل ديناميت ثورة حقوق السود في كل أمريكا، لأنها اعتزت بإنسانيتها، بكينونتها، باحترامها لنفسها. الآن هي من الأكثر تأثيرا في العالم، و"أوبرا" السوداء التي قصة حياتها تفتت الكبد حزنا صارت أشهر وأقوى امرأة على الأرض. لم يضر السيدة البولندية ماري كوري أن تبرز كأكبر عالمة في فرنسا، بل هي الوحيدة التي نالت جائزة نوبل مرتين في علمين مختلفين، حيث يحتقَر البولنديون وتحاك عليهم أقذع صفات الغباء والانحطاط، لكنها لم تكترث إلا لكونها متميزة قوية عبقرية، ولأنها فعلت جرت الظروف معها. وعندنا علماء وشعراء ومفكرون من أصول آسيوية أعطوا طابعا علميا وعمليا وحركة فكرية في المملكة.
جاء الحضارمة الذين بقوا عقودا طويلة في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وقد هجنت دماؤهم بالدماء الشرقية، وأقاموا علما وتأثيرا كبيرا في حضرموت بل في الجزيرة، ووصل أثرهم الفكري والتجاري لمصر ونواحي الشام، لأنهم أتوا يعتزون بدمهم العربي الحضرمي، ولا يهم كيف كانت أنوفهم أو عيونهم، ويملكون احتراما وافرا لذواتهم، فاحترمهم الناس، بل أمة العرب كافة.
أنت عودت الناس على تقليلك، لأنك قللت من نفسك، وقللت من قدر أمك، وقللت من قدر الأمة التي جاءت منها أمك. لو كنت مكانك وبذكائك وتفوقك، لقلت نعم أنا بنت الشغالة التي ربتني لأكون قويمة وذكية. أنا بنت الشغالة التي أخذت الدرجات الأولى والآن أدرسكم.. أنا بنت الشغالة التي أراها أعظم امرأة في الدنيا لأنها أمي.
ثم فلتكن أمي شغالة، فهل في الشغل عيب؟ هل يُعاب على شخص أن يترك مهجته وشظايا قلبه ليرحل ليخدم الآخرين.. أم من كسلوا أن يخدموا أنفسهم؟!
إني يا بنت الشغالة، أفتخر بك، وأضع قدر أمك على رأسي.