رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


محاذير تتفاداها دولة الرفاهية

هناك نقاش اقتصادي سياسي محموم في أوروبا حول الهجرة خاصة تداعياتها الاقتصادية ليس من الشرق الأوسط وإفريقيا فقط بل حتى من داخل أوروبا بسبب تكاليف دولة الرفاهية. تقوم دولة الرفاهية على هيكل اقتصادي، حيث يدفع أبناء الطبقة الوسطى والعليا ضرائب عالية نسبيا لتمويل خدمات وتوزيعات يستفيد منها الجميع خاصة الطبقات الأقل حظا. هذا النموذج مكلف وقد لا يكون قابلا للاستدامة خاصة بعد الأزمة المالية العالمية. أزمة المهاجرين التي تزامنت مع ركود اقتصادي أعادت تركيز الأذهان وبدأ الحديث الاقتصادي والسياسي يتغير. هذا عن أوروبا، ولكن الدولة التوزيعية مثل المملكة التي تهدف للرفاهية تحمل أعباء متشابهة في بعض أوجه الرفاهية ومختلفة في أنماط مصادر الدخل وهيكل التكاليف والدور الاقتصادي للدعم. تختلف في مصدر الدخل، ولكنها تتفق مع النظام الأوروبي في ممارسة دولة الرفاهية. اختلاف آخر في أوروبا أن انضمام المهاجرين إلى القافلة الاقتصادية قد يكون مسألة وقت لاستيعابهم في المنظومة الاقتصادية، ولكن المسألة مختلفة جذريا في التركيبة الاقتصادية لدينا. نحن نمارس دولة الرفاهية دون تمحيص اقتصادي.
لما يسمع الكثير ذكر الرفاهية سوف يخطف النظر الحالة التوزيعية حتى إسقاطها الشخصي، وبالتالي سيفوت عليه المضمون. أتحدث عن الرفاهية الجمعي الذي عبر عنه الأمير عبدالعزيز بن سلمان نائب وزير البترول حين ذكر أن المملكة تستهلك 38 في المائة من إنتاج الغاز والنفط. تسعى الحكومة لتوسيع دائرة الرفاهية إلى أكبر عدد من المواطنين والمقيمين، وقد نجحت إلى حد كبير بسبب الرغبة في مساعدة المواطنين أولا ودخل النفط ثانيا. عمليا الرفاهية جاء من مصدرين، الأول توظيف الغالبية في وظائف حكومية في غالبها مقبولة الدخل ومجزية للكثير ـــ مداخيل عالية مقارنة بدول المنطقة وقياسا على مستوى الإنتاجية، هذا عن المواطنين. للمقيم معادلة أخرى أكثر تعقيدا. توسع النشاطات الحكومية على مدى العقود الخمسة الماضية خاصة العقد الماضي جعل الحكومة توظف الكثير من المقيمين في الأجهزة الحكومية، إما مباشرة أو غير مباشرة من خلال الشركات الحكومية أو الاستشارات لأسباب موضوعية بسبب نقص الكوادر المؤهلة وأحيانا بسبب قوة الدفع البيروقراطي. كما يأخذ التوظيف أشكالا متعددة مثل الاستشارات الدائمة في أعلى الهرم الفني إلى التاجر الصغير كما يعبر عنها باقتصاديات "البقالة"، حيث يقوم المواطن بدور المحامي وجاني الضريبة وبينها أشكال لا تحصى من الإبداع والتجاوز. ما يجمع المواطن والمقيم هو استغلال دولة الرفاهية دون علاقة دقيقة مع الحيثيات الاقتصادية. يصعب تأطير أنماط هذه العلاقات وقياس المسافات ما يجعل مهام أغلب الوزارات معقدة وخاصة العمل والتعليم الفني والبعثات والشؤون الاجتماعية حتى الداخلية. بل تتكون مسافة بين الوزارات المنوط بها الإدارة الاقتصادية والخدمية.
هناك تداخل بين استحقاقات دولة الرفاهية من ناحية وبعض أركان الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى. الركن الأول هو سياسة الدعم ليس بغرض التقشف، ولكن من خلال إعادة هيكلته وإدارته بما يتناسب مع الحالة التوزيعية التي ستستمر لسنوات من ناحية والحاجة إلى التعامل مع استحقاقات التحفيز الإنتاجي من ناحية أخرى. بالغنا كثيرا في الناحية التوزيعية على حساب الناحية التحفيزية، ولذلك لا بد من إعادة التوازن. الركن الآخر هو سياسة التنمية البشرية وفي قلبها السياسة العمالية التي في جوهرها لم تفرق بين التوسع والنمو ـــ الأول يتطلب سياسة استقدام مرنة أكثر من المقبول في المدى البعيد "أخذنا بمدى قصير لمدة طويلة إلى أن أصبح مدى طويلا)، بينما النمو العضوي يتطلب سياسة استقدام أكثر حصافة اقتصاديا، المعيار الحقيقي إنتاجية المواطن وتراكم معارفه الفنية والتنظيمية.
دولة الرفاهية في أوروبا مختلفة نوعيا عن دولة الرفاهية في الاقتصاديات التوزيعية ــــ نتفق على التوزيع ونختلف على مصادره. الاختلاف على المصدر يحمل مضامين وأنماط تصرفات وتبعات في التكاليف ماديا ومعنويا. التكلفة المادية أسهل للقياس خاصة لما تنخفض أسعار النفط، ولكن المعنوية (الإنتاجية والسلوك) تحمل تكاليف اقتصادية أكثر من التكلفة المالية في المديين المتوسط والطويل. التخلص من تبعات دولة الرفاهية عملية صعبة والتحول إلى اقتصاد أكثر إنتاجية تحد نوعي. لكل منهما متطلبات وإطار فكري وسياسة اقتصادية وحلول فنية وبشرية مختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي