تضخم أسعار الوجبات وبيانات تكاليف المعيشة
تتغير أنماط استهلاك السلع والخدمات باستمرار، وقد شهدت السنوات الماضية انتشارا لمظاهر العولمة في المملكة، وتغيرا في كثير من مظاهر الحياة، بما في ذلك عادات وأنواع الأطعمة وأماكن تناولها. وانتشرت المطاعم والمطابخ العالمية والمحلية بسرعة فائقة خلال العقود الثلاثة الماضية. وأصبح طلب الطعام وتناوله خارج المنزل جزءا مقبولا ورئيسا من حياة الأسر والأفراد، بعدما كان منذ عقود قليلة أمرا مستغربا لدى عديد من الشرائح السكانية. وغدا الإنفاق على الطعام خارج المنزل يشكل جزءا متزايدا من ميزانيات الأسر والأفراد، ويرتفع بشكل أكبر لدى فئة الشباب.
زادت خلال الفترة الماضية تكاليف الطعام المعد خارج المنزل، حيث تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء إلى ارتفاع تكاليف خدمات الوجبات في شهر ديسمبر 2015 26 في المائة مقارنة بمتوسط 2007. وكان متوسط الرقم القياسي لتكاليف الطعام خارج المنزل قد ارتفع بنحو 4.4 في المائة في عام 2007 مقارنة بمتوسط تكاليفه في عام 1999، ما يعني أن تكاليف الطعام خارج المنزل ارتفعت بنحو 31.5 في المائة خلال الـ 16 عاما الماضية. ولا تتوافر بيانات عن الأهمية النسبية للطعام خارج المنزل، إلا أنها زادت بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، ولهذا فإن تغيرات أسعار الأطعمة خارج المنزل تؤثر بشكل ملحوظ في معدلات التضخم. ومع أن بيانات الهيئة العامة للإحصاء تشير إلى ارتفاع ملحوظ خلال فترة الـ 16 عاما الماضية "31.5 في المائة تقريبا"، إلا أن المشاهد في الأسواق يدعم حدوث تغير أكبر في تكاليف خدمات تقديم الوجبات مما تورده الهيئة. ويمكن أيضا الاستشهاد بتكاليف إعداد الطعام خارج المنزل لإثبات أن نسب تضخم أسعار الوجبات أعلى مما ورد في بيانات الهيئة.
ويدخل في تكاليف إعداد وجبات المطاعم عديد من المدخلات، التي أهمها تكاليف المواد الأولية، وإيجار العقارات، والعمالة والإدارة، وتكاليف الإنشاء والديكورات والأجهزة والمعدات، والطاقة والمياه. وقد ارتفعت تكاليف الأطعمة والمشروبات "المواد الأولية" بحسب الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنحو 80 في المائة خلال الفترة، بينما ارتفعت تكاليف الأغذية بأسعار الجملة بنسبة أعلى. وتصاعدت تكاليف بعض المواد الأولية الداخلة في إعداد الأطعمة بنسب تفوق 100 في المائة ومن أبرزها اللحوم الحمراء، والزيوت، وعدد من الخضراوات الأساسية كالطماطم. كما ارتفعت خلال فترة الـ 16 عاما الماضية تكاليف الإيجارات التجارية بنسب تفوق 100 في المائة وقد تصل الزيادة -كما يفيد بها بعض المستثمرين- إلى 150 في المائة. وزادت أجور العمالة المستقدمة بنسب تصل إلى 100 في المائة، كما دفعت متطلبات السعودة والتأمينات تكاليف اليد العاملة بنسب قد تصل إلى 150 في المائة. وزادت خلال الفترة تكاليف ومتطلبات إنشاء المطاعم والمعدات والديكورات بنسب لا تقل عن 30 في المائة. وتم في الآونة الأخيرة تعديل تكاليف الكهرباء والمياه بنسب تقارب 20 في المائة للكهرباء وأكثر من 100 في المائة للمياه، ولا تدخل زيادة تكاليف الكهرباء والماء في زيادة التكاليف خلال الفترة الماضية، ولكنها سترفع تكاليف تقديم الوجبات بدءا من هذا العام. وتمثل تكاليف المواد الأولية وأجور العمالة والإيجارات وتكاليف الإنشاءات والمعدات أكثر من 90 في المائة من تكاليف إعداد الوجبات. ولهذا فإن زيادة إجمالي تكاليف هذه المكونات بالنسب السابقة أعلاه يعني زيادة تكاليف إعداد الطعام خارج المنزل بما لا يقل على 70 في المائة. وارتفاع تكاليف إعداد الطعام بالنسبة لمقدمي الخدمة يعني تمريرهم لهذه التكاليف إلى المستهلك بزيادة أسعار الوجبات المقدمة. وقد ارتفعت تكاليف الكثير من الوجبات في السوق منذ عام 1999، بما في ذلك الأكلات الشعبية. وعلى سبيل المثال تضخمت أسعار وجبات اللحوم الحمراء الشعبية بنسب تزيد على 100 في المائة. من ناحية أخرى تقل زيادة تكاليف خدمات الوجبات التي توردها الهيئة العامة للإحصاء على الزيادة في الولايات المتحدة، التي تتشابه في بعض الأوجه الاقتصادية مع المملكة. فقد ارتفعت تكاليف الوجبات الخارجية في الولايات المتحدة بين عامي 1999، 2015 م 55.1 في المائة، بينما زادت تكاليف الوجبات السريعة للفترة نفسها بنحو 57.7 في المائة. وتتشابه الولايات المتحدة مع المملكة في معدلات سعر العملة، حيث ظلت معدلات صرف الريال مع الدولار ثابتة طوال الفترة، كما أن معدلات الفائدة متقاربة، ولكنها تختلف بمعدلات تغير تكاليف المواد الأولية والإيجارات والأجور، حيث زادت في الولايات المتحدة بمعدلات تقل عن نظيرتها في المملكة خلال الفترة الماضية. وبناء على ما سبق فإن زيادة تكلفة الطعام المعد خارج المنزل ينبغي أن تكون أعلى في المملكة من الولايات المتحدة خلال الفترة. ويمكن الاستنتاج وبدرجة معقولة من الثقة بأن تكاليف شراء الطعام المعد خارج المنزل قد ارتفعت بنسب لا تقل عن ضعف ما هو وارد في بيانات الهيئة العامة للإحصاء خلال الفترة.
ونظرا لأهمية خدمات الوجبات للمستهلك فإن خفض معدل زيادة تكاليفها تحت معدلاتها الفعلية قد أسهم في خفض معدلات التضخم العامة الحقيقية في المملكة خلال الـ 16 عاما الماضية بنسبة قد لا تقل عن 2 في المائة. وتسود شكوك لدى كثير من الناس وعديد من المختصين بأن بيانات تكاليف المعيشة التي تصدرها الهيئة العامة للإحصاء والمعلومات لا تعكس التغيرات الحقيقية بصورة دقيقة، وأعتقد أن هناك درجة من الصحة في هذه الشكوك، وبالنظر إلى ارتفاع تكاليف خدمات الوجبات فقد يكون هناك خفض في تضخم أسعارها على الأمد الطويل.