روافد الحضارة السعودية
تناول برنامج روافد الذي عرضته قناة العربية مساء الأربعاء الماضي قضية مهمة تتعلق بالحضارة السعودية. وهي مسألة قلما يتم استعراضها عربيا بإنصاف.
تضمنت الحلقة رسائل لافتة استعرضها الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، في حديثه مع أحمد الزين؛ إذ أكد ما هو مؤكد، ولكنه غير حاضر في أذهان كثيرين بشأن عمق مشاركة الجزيرة العربية التي تشغل المملكة الجزء الأكبر منها في الفعل الحضاري الإنساني.
أعجبني في الحلقة تركيزها على توضيح التحولات التي شهدتها النظرة المحلية للآثار، والتأكيد على أهمية ربط مواقع التاريخ الإسلامي ـــ على سبيل المثال ـــ بما يتعلمه الإنسان في مراحل التعليم المختلفة، وضرورة ربط هذا المضمون التلقيني بالوقوف على المواقع والتعرف عليها.
وكان الحديث بشأن الأماكن التراثية والتاريخية وإحيائها بتشجيع السكنى فيها، من الأمور التي أسست لفعل إيجابي ذا مردود وطني واقتصادي شهدناه في جدة التاريخية والدرعية والأحساء وسواها من المناطق.
استخدم الأمير سلطان تعبير "اغتصاب الذاكرة" كي يعطي من خلاله قراءة من منحى آخر لفصول الخريف التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة، والتأكيد على أن تداعيات هذه التحركات جاءت مستهدفة تقويض الإنسان وتجريده من ذاكرته، ومن هنا فقد أمعن "داعش" وسواه من حركات الغلو والرفض والتطرف، في استهداف مواقع التاريخ والحضارة في العراق وسورية، وهي المواقع نفسها التي لم يتعرض لها الفاتحون الأوائل.
الذاكرة الحضارية الثرية التي تكتنزها أرض المملكة، تجسدت في الحضارات الإنسانية السابقة سواء في العلا أو في الرسوم الصخرية في حائل ... إلخ.
كل هذه الجسور المتتابعة تعطي جانبا من الصورة التي غابت عن الأذهان فأشاعت حديثا جائرا عن ثقافة وحضارة طارئة.
لقد تكاملت الصورة بظهور الإسلام في مكة المكرمة التي كان لها فعل اقتصادي وثقافي وديني ظل يتأصل منذ بناء إبراهيم وابنه إسماعيل ـــ عليهما السلام ـــ للكعبة المشرفة. هذا السرد الذي عرضه الأمير سلطان في ثنايا الحلقة من المهم الإلحاح عليه كفكرة لمواجهة الخطاب الممعن في الجور حول ثقافة النفط، إذ تستهدف مثل هذه الطروحات من منحى متطرف أيضا تقليل قيمة الإنسان والمكان.