رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عن مواقع التواصل .. وفريدمان وغنيم

لا شك أننا منطقة ساخنة جدا مشبعة بالأخبار والغبار. ولا أعلم كيف كانت ستعيش المحطات الإخبارية لولا أخبارنا. كيف سيكون شكل الأخبار لو كانت أهم أحداثها وأخبارها العاجلة سعر البرتقال، وتصنيع البيض، وفلان يقضي إجازته السنوية، أو وفد قادم ومغادر يلوح بابتسامة وبشت مطرز. قرأت مقال توماس فريدمان ردا على مقال لوائل غنيم تحت عنوان: "هل مواقع التواصل الاجتماعي مخربة أم بناءة؟"، وهي نقطة مثار تفكيري منذ مدة. لاسيما أنها منبرنا اليومي الإخباري. يقول فريدمان "على مدار السنوات القليلة الماضية شاهدنا عددا من الثورات التي أشعلها "فيسبوك"، بدءا من ثورات الربيع العربي، مرورا باحتلال "وول ستريت"، وميادين إسطنبول إلى كييف وهونج كونج، ثورات استمدت وقودها الأساسي من مواقع التواصل الاجتماعي. لكن بمجرد انقشاع الغبار، فشلت كل تلك الثورات في بناء أي كيان سياسي مستدام، وبسبب تعدد الأصوات المرتفعة، أصبح تكوين كيان واحد أمرا مستحيلا".
استشهد توماس بصوت الشاب المصري الشهير وائل غنيم الموظف المصري في شركة جوجل الذي أسهم بصفحته على "فيسبوك" في إشعال ثورة ميدان التحرير مطلع 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك هو الذي قال "كشف الربيع العربي الإمكانات الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي، بيد أنه أظهر أوجه قصورها الرهيبة أيضا؛ الأداة نفسها التي وحدتنا كي نسقط حكامنا المستبدين، هي نفسها الأداة التي مزقتنا في النهاية.. لأننا فشلنا في تكوين إجماع، وساعد الصراع السياسي على إيجاد حالة من الاستقطاب الحاد". النقطة التي لطالما أثارتني ليست فقط ما أثاره فريدمان وغنيم من أسباب وآثار الربيع العربي، بل النقطة التي تتعلق بنا أيضا نحن في السعودية والخليج كامتداد طبيعي للمنطقة.
النقطة المتناولة حول الثورات هي نقطة محدودة في جانب معين وهي الثورات والتعبئة، هي التي بلا شك خرجت عن السيطرة. إحباط ويأس وائل غنيم سببه أن الثورات لم يكن لديها مشروع أصيل وبلا خريطة للبناء. والخريطة ليست سحرية لكنز مدفون خاصة مع وجود مشتركات ومصالح للثوار من كل التيارات ما سارع بالاتفاق والتعبئة والتحشيد. تيارات مختلفة لكنها متوحدة لعدو افتراضي مشترك، متعطشة للمبنى القادم الذي تنوي مختلف الجماعات تلقف خريطته، وهذا أهم أسباب التحشيد السريع والاستجابة السريعة. ومن هنا جاءت نتيجة الخلاف وحدث الاستقطاب الحاد. والجماعات تميل إلى التوحد في القضايا التي تمس الذات الإنسانية المهزومة. كما أن الهيجان والثورات حالة عدوى لم تمس المنطقة بل العالم ككل كما أصبح في "وول ستريت" وغيره. وللمتابع، فقد كانت الثورات ملهمة للعالم الغربي والصحافة الغربية أيضا.
حتى عام ما قبل الربيع وأثناءه، كانت ثرثرتنا على "تويتر" نحن السعوديين أكثر بساطة. كنا نتناول أحداثنا المحلية والمنطقة ومن ثم نتناول مساء شؤوننا اليومية. كانت هناك "شللية" لكنها لم تكن بالانقسام ذاته الحاد والمتوتر الذي عمقه الربيع العربي، ولم يكن هناك ذلك الجمود الرسمي المتكهرب. تحولت الانقسامات إلى أجنحة تعيد تغريدات بعضها بعضا، وتتابع بعضها بعضا وتهاجم الأجنحة الأخرى بشراسة وانتقام. ولربما كنا نحتاج إلى هذه الغربلة وإلى من ينفض الغبار. فهذه المواقع منابر حية لمجتمعات غير حية. إنها مرحلة لا بد أن تعبر للغربلة مرحلة مهمة في تاريخنا البشري، علمتنا درسا مهما حول أهمية بناء الذات قبل الأدوات. مرحلة أعطتنا مشهدا بانوراميا أفقيا لأوضاعنا بكل تداعياتها، وتبقى مسألة السلبيات في أنها واقع معرى وليس واقعا مختلقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي