بث الأمان صناعة سعودية خالصة
مع كل خبر يتحدث عن اعتراض صاروخ "باليستي" من قبل قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي وتدميره في الجو، وتجنيب السكان والممتلكات في مدن السعودية الجنوبية ضرره، تعيدني الذاكرة إلى تجربة مماثلة عاشتها العاصمة الرياض ومدينة الظهران في حرب الخليج الثانية في عام 1991.
في تلك الفترة نشرت القوات الأمريكية بطاريات باتريوت في الأراضي السعودية لأول مرة، تحسبا لأي هجمات تشنها الصواريخ العراقية بعيدة المدى وهو ما حدث بالفعل مع بدء الحرب الجوية، حيث انهالت الصواريخ العراقية على الظهران والرياض وكانت صواريخ باتريوت لها بالمرصاد ودمرتها في الأجواء ولم تحدث إلا أضرارا محدودة.
أذكر تلك الفترة جيدا، ولم تغب عن الذاكرة رغم مر السنين، وأذكر كيف تحولت حالة الرعب الناتجة عن إطلاق صافرات الإنذار وأصوات الانفجارات بفعل اعتراض الصواريخ وتدميرها في الجو إلى حالة من "التسلية" شبيهة بالألعاب النارية، ففي تلك الفترة كان سكان الرياض يصعدون إلى أسطح المنازل لمشاهدة لحظة اعتراض الصاروخ وتدميره بدلا من الاختباء في الملاجئ وفي الغرف الآمنة، كما كان يملى علينا من اشتراطات للسلامة من قبل الدفاع المدني.
في حرب الخليج على الرغم من حالة الرعب المتضاعفة لدى أقراني من الأطفال شعرنا بالأمان في العاصمة الرياض مع مرور الحرب، وأعجبنا بقدرة الأمريكان على اعتراض الصواريخ، لم يتغير شيء ما بين حربي الخليج واليمن، فما زال الأمان والأمن يشعر به سكان المناطق الحدودية كما شعر به سكان الرياض والظهران في عام 1991. الفرق الوحيد ما بين عامي 1991 و2015 ــ 2016، هو الإعجاب الذي حدث في المرة الأولى بقدرة القوات الأمريكية على اعتراض الصواريخ، فقد تحول إلى حالة فخر بقدرة رجالنا وأبنائنا رجال قوات الدفاع الجوي، فما كان يشغله الأمريكان وينفذونه في المرة الأولى، تحول الآن في يد السعوديين وأصبح ضمان الأمن سعوديا خالصا لا يخالطه آخر.
استفدنا من تجربة حرب الخليج الثانية، وخرجنا منها ونحن أقوى من ذي قبل، وتعلمنا وتطورت قدراتنا في شتى المجالات العسكرية، وأصبحنا نتقن العمل الذي كنا نستعين بالآخرين للقيام به، وأجزم أننا سنخرج من تجربة حرب اليمن ومساندة الشرعية ونحن أقوى من ذي قبل، وسنتطور وستعلو قدراتنا البشرية والعسكرية وسنتقن ما كنا عاجزين عنه، بإمكانات أبنائنا ورجالنا في القوات المسلحة كافة. رجالنا في قوات الدفاع الجوي وفي جميع القطاعات العسكرية، لا يكفيهم مقال أو حتى ألف مقال من الشكر والثناء، فما يقدمونه من تضحيات وأعمال بطولية حفاظا على البلاد والعباد لا يمكن أن يكون له مقابل يوازيه ــ حفظهم الله ــ للوطن وللقيادة وللشعب، وأدامهم تاجا فوق رؤوسنا نفتخر به ما بقي فينا عرق ينبض.