رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الجامعات الطرفية .. وتعزيز المناطقية المقيتة

تدل المؤشرات الأولى على أن تسمية الجامعات بأسماء المحافظات تعزز المناطقية سواء بين الطلبة أو على مستوى الكادر الإداري أو الأكاديمي. كما أن تسمية الجامعات بأسماء المحافظات تعزز التنافسية السلبية بين أبناء المناطق المختلفة والقرى المتجاورة. فمثلا تسمية الجامعات بأسماء محافظات محددة السكان دفعت محافظات أخرى - ليس لديهم جامعات بأسماء محافظاتهم - لأن تطالب بتأسيس جامعات بأسمائها. فلدينا حاليا قرابة 15 جامعة سميت بأسماء محافظات أو مناطق من ضمن 28 جامعة حكومية منتشرة في أنحاء المملكة. كما أن لدى وزارة التعليم بفرع التعليم العالي عديدا من المطالبات من قبل عدة محافظات ترى أحقيتها في إنشاء جامعات جديدة بأسماء مناطقها. هذه المطالبات ستستمر حتى تصبح لدى كل قرية من قرى المملكة جامعة باسمها. وقد لا تنتهي هذه المهزلة التعليمية إلا بأن تصبح أعداد الجامعات كمثل الدكاكين التعليمية.
الأسوأ من هذا كله أن بعض أبناء المحافظات التي سميت الجامعات بأسماء مناطقهم أو محافظاتهم بدأوا الحديث بنبرة تهكمية واستفزازية للطلبة من أبناء مناطق أخرى "أيش جابكم تدرسون في جامعتنا"! وكأن تلك الجامعة إرث حصري لهم ولعائلاتهم وليست لخدمة أبناء هذا الوطن كافة. كما أن بعض ممن يتقدم لوظائف إدارية أو أكاديمية يسأل لجان المقابلات بأن هذه جامعتنا ونحن أولى بالتوظيف فيها! بل إن بعض أبناء تلك المحافظات ممن يعملون في تلك الجامعات المناطقية سواء إداريين أو أكاديميين يعززون هذه السلوكيات السلبية بفهم خاطئ لمقولة "الأقربون أولى بالمعروف"! هذه الممارسات الخاطئة على الرغم من محدوديتها لكنها تغرس سلوكيات سلبية تنمو مع الوقت داخل تلك الجامعات في وقت يدرك الجميع بحاجتنا إلى تعزيز اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن كافة وبين جميع أبناء المناطق والمحافظات المختلفة.
إن أحد أهم ما يميز هذه البلاد ولله الحمد، أنها قامت وفقا لمبادئ العدل والمساواة المستقاة من الشريعة الإسلامية. فهذه البلاد منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز إلى هذا العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لا تميز بين منطقة وأخرى، بل إن قادتها يؤكدون أهمية تحقيق العدل والمساواة بين أبناء ومناطق المملكة العربية السعودية كافة.
كما أن هناك تأثيرا سلبيا آخر من جراء تسمية الجامعات بأسماء المحافظات متعلقا بالحد من اندماج أبناء مناطق المملكة الشاسعة. فالوضع الحالي للجامعات الطرفية قد يزيد من عزلة أبنائها فكريا واجتماعيا وتربويا وثقافيا. فمثلا، لنفترض جدلا أن طالبا نشأ في إحدى قرى المناطق الطرفية محدودة السكان وأكمل فيها المراحل التعليمية من الابتدائية إلى أن تخرج في الجامعة، لا شك أن نظرته للحياة وللآخر خصوصا من أبناء المناطق الأخرى، الذين قد يختلفون عنه في العادات والتقاليد ستكون سلبية. كما أن بعض الجامعات الطرفية تعاني الشللية الأكاديمية والإدارية بين من هم من أبناء المنطقة ومن هم خارجها. فمع الأسف أن هناك نوعا من استلطاف فكري بين من هم من أبناء المنطقة وبين من هم خارجها. فوسائل الإعلام خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي تعج بهذا النوع من الصراعات التي بدأت تتحول من مجرد حالات فردية إلى ظاهرة سلبية.
لذا فأنا أدعو إلى إعادة تسمية هذه الجامعات من جهة، ومن جهة ثانية فأنا أدعو إلى ضرورة ضم الجامعات الناشئة وتقليل أعدادها قبل تغيير مسمياتها. وليس من مقتضيات ضم الجامعات أن يؤدي مثل هذا الإجراء إلى تقليل أعداد الطلبة المقبولين فيها! لأنه مجرد إجراء إداري يساعد الجامعات على إعادة تقييمها ماليا وإداريا وأكاديميا وتربويا وفكريا وبحثيا. ولدينا تجارب ناجحة في ضم كليات إعداد المعلمين إلى الجامعات وضم تعليم البنات مع تعليم البنين دون أن تؤدي مثل هذا الإجراءات إلى تقليل أعداد المدارس سواء للبنين أو للبنات.
وكما أن ضم الجامعات الناشئة يزيد من حيادية القرارات داخل الجامعات واستقلالية قراراتها. فمثلا تعاني مجالس الأقسام والكليات في بعض الجامعات الناشئة عدم حيادية قراراتها بسبب أن أعداد أعضاء هيئة التدريس فيها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. كما أن البعض الآخر يشكل أعضاء هيئة التدريس من غير السعوديين أكثر من 70 في المائة. هذه الحقيقة تجعل قرارات مجالس الكليات والأقسام شخصية وغير علمية لأن عضو هيئة التدريس غير السعودي يصوت - في الأغلب - حسب رأي رئيس أو عميد الكلية. لذا فإن القرارات الصادرة من مجالس الأقسام والكليات قرارات فردية في جوهرها وإن كانت مغلفة بغطاء مجالس الأقسام أو الكليات. لذا فإن ضم الجامعات مع بعضها سيخلخل فردية القرارات والشللية داخل الجامعات خصوصا بعد دمج بعض مجالس الكليات والأقسام وسيعيد قرار دمج الجامعات صناعة القرار داخل تلك الجامعات.
كما أن تعدد الفروع للجامعة الواحدة إجراء مطبق لدى عديد من الجامعات الرائدة حول العالم خصوصا في ظل توافر وسائل التقنية الحديثة. فمثلا جامعة ولاية كاليفورنيا الحكومية California State University Cal State or CSU لها أكثر من ثلاثة وعشرين (23) فرعا رئيسيا كما أن لها ثمانية (8) فروع خارج الفروع، كما يدرس فيها قرابة نصف مليون طالب ويتولى التدريس فيها قرابة 24 ألف عضو هيئة تدريس إضافة إلى 23 ألف إداري. ومع ذلك فالجامعة تحت مظلة واحدة على الرغم من تعدد فروعها وبعد المسافات فيما بينها.
فتعدد فروع الجامعة الواحدة لا يؤثر بالضرورة في جودة التعليم فيها. بل العكس مثل هذا الإجراء له آثار إيجابية من ضبط جودة التعليم وتقليل الشللية الإدارية والأكاديمية، هذا بخلاف الأثر الإيجابي في ميزانيات الجامعات (وهو ما سأتحدث عنه في مقال الأسبوع المقبل). لذا فنحن نتمنى من وزارة التعليم إعادة النظر في تسمية الجامعات الحالية بأسماء المناطق لما له من آثار سلبية بدأت تظهر على السطح. فنحن في وقت بحاجة إلى قطع الطريق على كل من يحاول تفتيت وحدة هذه البلاد وترابط أهلها ومناطقها. كما أن على وزارة التعليم إعادة النظر في أعداد الجامعات الحالية وإعادة تهيئتها لتصبح أكثر نضجا وإسهاما في التنمية وأبعد عن الفردية في قراراتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي