«الحشد» و«داعش» .. وجهان لعملة

الحشد الشعبي في العراق قوات شبه عسكرية ظهرت في المشهد العراقي، بعدما أفتت المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق بـ "الجهاد الكفائي" في 13 حزيران (يونيو) 2014 لمواجهة هجمات "داعش" في العراق. تقول السلطات العراقية بأنها وضعت آليات نظامية لانخراط المتطوعين في الجيش تشمل إدخالهم تدريبات سريعة ومكثفة بهدف زجهم في العمليات العسكرية، هم الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف. ويبدو أن ما يميز أعضاء الحشد الشعبي هو إجادتهم حرب العصابات والشوارع، وهذا ما كان ينقص الجيش العراقي شبه المشلول لمواجهة "داعش" في الداخل.
ربما حرب العصابات هي الثغرة التي لا يحكمها قانون بل الآلية الحرفية للحرب العشوائية. وقد تظهر هذه الالتحاقات بهذه القوات أسبابا نفسية واجتماعية مختلفة للملتحقين. ولا بد أن بين أعضاء الحشد شرائح لديها نزوع إجرامي أو حتى تاريخ إجرامي تفرغ بشكل حر غير محكوم، في بلد يعيش أشكالا مختلفة من غياب القانون أو فساد القانون. ولا بد أن نسبة منهم تتحكم فيهم انتقامات طائفية، أو فشل شخصي واجتماعي أو إفراغ عنف وإجرام بشري حر، جرى تبريره وتغطيته، يأخذ شكل الطائفة أو الفشل أو كليهما. ولا شك أيضا أن نسبة من العراقيين يعيشون تحديات وآثار الحرب ومخلفات الفساد السياسي وضعف الاقتصاد والبطالة والوضع الاجتماعي والطائفي المتنامي. بالتالي فإن الحشد الشعبي ينزع إراديا أو لا إراديا إلى اتباع المنهجية نفسها للجهة التي يدعي مقاومتها، وهي المنهجية التي تحكم داعش وقادتها وأعضاءها. فيظهر لنا الوقت جهتين إرهابيتين قبيحتين متقابلتين معا تحت غطاء الطائفة والجهاد.
وفيما يثني وزير الدفاع العراقي على انضباط الحشد الشعبي بإمرة القيادات الأمنية، تتهمه منظمة العفو الدولية بقتل عشرات المدنيين السنة "بإعدامات عشوائية"، وبأن ممارساتهم تصل لمستوى "جرائم الحرب". كذلك صرحت "هيومان رايتس ووتش" بتعرض المناطق السنية إلى انتهاكات قد يرقى بعضها إلى جرائم الحرب، وهجمات تبدو كأنها جزء من حملة تشنها المليشيات لتهجير السكان من المناطق السنية والمختلطة. وفي تصريحات للرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد باتريوس نقلتها «واشنطن بوست» قال إن ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران سوف تشكل خطرا على العراق أكثر من تنظيم داعش الإرهابي، هي التي تقوم بفظاعات ضد المدنيين السنة. وباعتراف من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن ميليشيات وصفها بالوقحة تعمل بمعية الحشد الشعبي تقوم بعمليات ذبح واعتداء بغير حق لمواطنين عراقيين سنة لا ينتمون لـ "داعش". وقد اتهم أخيرا نواب ورجال دين مسيحيون ميليشيات تنتمي إلى الحشد الشعبي بالاستيلاء على أملاك المسيحيين في بغداد بقوة السلاح، من خلال تزوير الأوراق الثبوتية داخل دوائر التسجيل العقاري، مقابل مبالغ مالية كبيرة، بسبب ضعف سلطة القانون. إذن ففيما ينشغل العالم بقتال "داعش"، تبرز جرائم وأدبيات إرهاب قوات الحشد الشعبي العراقية، التي جنحت إلى القيام بعمليات تطهير طائفي، وتهجير السنة من مناطقهم. هم السنة الذين لعبوا دورا في هزيمة تنظيم القاعدة في العراق. ورغم انضمام عشائر من سنة العراق وتركمان وكرد ومسيحيين إلى قوات الحشد الشعبي، إلا أن هذه القوات ذات الغالبية الشيعية تحظى بغطاء مذهبي واسع. هذا التطور الدراماتيكي في المشهد يبرز ضرورة إيجاد قوات سنية عراقية مناوئة لداعش السني. قوات لا تغذي الإطار المذهبي كجناحين متقابلين، الأمر الذي يصنع قوى متجاذبة كثيرة في العراق ويرسخ التخندق الطائفي ويعمقه. وهذا من شأنه تغذية دوامة خطرة من انعدام القانون والفوضى الطائفية في العراق، ما يؤثر في المنطقة بأكملها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي