التجنيد التطوعي .. والوقت المناسب
قبل أسابيع طالب سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ "بضرورة التجنيد الإلزامي للشباب، ليسهموا في حماية الوطن، في ظل تزايد المخاطر التي تحيط بنا"، هذه الدعوة حفلت بنقاشات متعددة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الغالب عليها التأييد لما طرحه سماحة المفتي سواء من النخب الاجتماعية أو حتى من الشباب أنفسهم، الذين كانوا يتطلعون إلى فتح معسكرات التطوع ليكونوا ضمن حماة الوطن متى ما كان النداء، وهي رغبات فيها كثير من الصدق لمن يعرف طبيعة أبناء هذا الوطن، الذين تطوعوا مرتين أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وكان الملك سلمان - حفظه الله - ومجموعة من أشقائه ضمن أوائل المتطوعين، الذين تلقوا تدريبا مكثفا، كما رواه مدربهم العسكري "المتقاعد أجواد الفاسي"، والمرة الثانية كانت في حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت، التي تطوع فيها مئات الآلاف وتلقوا التدريب العسكري، وكانوا في قمة الجاهزية أثناء انطلاق المعارك، وهي تجربة ثرية لمن التحق بمعسكرات التطوع آنذاك، التي كانت تشتعل بأهازيج الحماس للوطن.
وأجدني متفقا مع دعوة سماحة المفتي إلى حد كبير، فلا يشك عاقل اليوم في أن التحديات والمخاطر الأمنية تضاعفت، وكلما تضاعفت الأخطار كان الاستعداد لها أكبر، وهذا ما نريده، فالتجنيد لا يعني الحرب بقدر ما يعني رفع الجاهزية لتتناسب مع مستوى المخاطر المتصاعدة.
إن ثروة المملكة الحقيقية تكمن في القوة الشابة الفتية التي تدير عجلة العمل اليومي في الجامعات والثانويات وكافة مؤسسات الدولة الأخرى، وتشكل ما يزيد على 60 في المائة من حجم المجتمع، ولا شك أن الاستثمار في تدريبهم على مواجهة المخاطر الأمنية سيشكل إضافة مهمة لأمننا القومي.
ويجعل هؤلاء الشباب أكثر انضباطاً وأماناً وتحملاً للمسؤولية، كما سيغرس فيهم روح العمل الوطني وتعلم مهارات وخبرات جديدة، تجعلهم أكثر وعيا بالمخاطر المحيطة بهم، كما سيقضي على كثير من مظاهر الاتكالية والميوعة والاعتماد على الغير والسلبيات التي ظهرت على بعض الشباب، نتيجة خلل في التربية. والإمكانيات المتاحة للتجنيد الإلزامي أو التطوعي تعد في أفضل إمكانياتها، بوجود عشرات المعسكرات التدريبية للحرس الوطني ووزارة الدفاع والأمن العام، ولا تخلو مدينة أو محافظة من معسكر تدريبي وكفاءات تدريبية عالية ومتمرسة تستطيع أن تضع الخطط وبرامج التدريب المقترحة، وتستوعب الشباب الراغبين في التجنيد التطوعي، حتى ينهوا تدريبهم الأساسي.
وهناك كثير من الأفكار التي من الممكن أن تسهم في إنجاح البرنامج، مثل الاستفادة من شباب الجامعات كخطوة أولى، وربط بيانات التخرج بضرورة اجتياز البرنامج التدريبي العسكري.
وبالإمكان التركيز على تنفيذ التدريب أثناء الإجازة الصيفية، التي عادة لا يستفيد منها الشباب ويمضون أغلب لياليها في السهر والتجول في الأسواق والمتنزهات، أما التسجيل فيستفاد من البرامج التقنية التي أصبحت اليوم تربط معظم القطاعات، دون الحاجة إلى الحضور أو تعبئة الأوراق.
ويبقى الاختلاف على الوقت المناسب لنجاح البرنامج التدريبي، الذي أرى أنه يجب ألا يقل عن ثلاثة أشهر مكثفة، يمنح من خلالها الطالب شهادة اجتياز بساعات محسوبة تحسب له كميزة إضافية أثناء رغبته في الالتحاق بالتوظيف أو الابتعاث أو أي أمر مستقبلي آخر.