رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فحوص أقل أو أكثر من اللازم

تنقل الأنباء عن نيات وأفكار لخصخصة واسعة النطاق لخدمات صحية حكومية. وابتداء أؤكد أنه لا توجد إجابات قطعية، والأمر في محصلته غلبة اجتهادات هل المحصلة النهائية هي في المصلحة العامة أو أن الأمر فيه ما فيه. وهذه الاجتهادات مرتبطة بتفاصيل وعوامل كثيرة، تؤثر سلبا أو إيجابا في الأداء والتكلفة والفعالية وغيرها من معايير للحكم على الخصخصة.
إلا أنه يمكنني أن أختصر المحصلة النهائية في العبارة التالية "الفحوص للمريض في المستشفى الحكومي أقل من اللازم وفي الخاص أكثر من اللازم". هذه خلاصة دراسات أجريت قبل سنين للمقارنة بين الرعاية في المستشفيات الحكومية والخاصة في بلاد غربية، وتعكس فروقا في تكلفة الرعاية.
لكن النتيجة السابقة يجب ألا تؤخذ هكذا بمعزل عن تفاصيل أخرى. مثل مقارنة طريقة معاملة الطبيب ماديا في المستشفى الحكومي والخاص وسياسة شركة التأمين في الدفع ومستويات الأطباء والحدود المادية في المستشفى الخاص ونحو ذلك. كما أنه لا يمكن أن يستنتج منها أن النتيجة (حصول العافية من المرض) في المستشفى الخاص بالضرورة أفضل من المستشفى الحكومي أو العكس فهناك عوامل أخرى يجب أن تراعى.
من المهم الانتباه إلى نقطة جوهرية في أي مناقشة لخصخصة خدمات صحية حكومية. معروف أن نظام العمل يلزم الخاضعين له بتأمين صحي يوفره قطاع خاص. ماذا يعني ذلك؟ زيادة السكان وجهود وبرامج السعودة وبرنامج التحول الوطني وما يتبعه من برامج خصخصة أو شبه خصخصة لخدمات ونشاطات حكومية، وهي برامج ينتج منها إخضاع موظفيها لنظام العمل (حتى لو بقيت مملوكة للدولة)، ومع برامج تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإنفاق الحكومي الممول من صادرات النفط، ومع هدف توظيف نحو ستة ملايين سعودي أغلبهم سيخضعون لنظام العمل خلال خمسة عشر عاما بدءا من هذا العام، فإن المحصلة تعني زيادة الحاجة إلى خدمات طبية خاصة. أي أنه يفترض أو يتوقع حتى دون خصخصة أن يكون حجم الخدمات الطبية الخاصة أكبر من الحكومية بعد 15 عاما، عكس الوضع الآن.
وتبقى مشكلات متفرعة لكنها ستكبر مع الزمن ومن ثم يجب ترتيب حلول لها من الآن، مثل علاج المتقاعدين الذين كانوا خاضعين لنظام العمل.
خصخصة خدمات صحية عامة تعني اللجوء إلى وسيط دفع هو شركة تأمين. لكن شركات التأمين لا تدفع التكلفة كاملة، محاولة منها لتقليل إساءة استخدام التأمين. وقد قدرت الدراسة التالية لأحد أساتذة جامعة هارفارد:
Privatizing health care is not the answer: lessons from the United States, Marcia Angell, MD
أن حجم الممتنعين في أمريكا عن الاستفادة من التأمين بسبب التكلفة يزيد نحو ثلاثة أضعاف الموجود في كندا. ونظام الرعاية الصحية في أمريكا معتمد على القطاع الخاص أكثر كثيرا من كندا. وذكرت الدراسة نفسها أن معدل توقع الأعمار في كندا أعلى من أمريكا، وأن نسبة وفيات الرضع في أمريكا أعلى من كندا. بل أكثر من ذلك. قالت الدراسة، وإنه خلافا للاعتقادات السائدة، التي تقول إن الناس في أمريكا يحصلون على خدمات صحية أكثر، قالت الدراسة إن الأمريكان يزورون الأطباء بصورة أقل ويقضون أوقاتا أقل في المستشفيات مقارنة بالكنديين. ومن المفارقات أن تكلفة الخدمات الصحية في أمريكا أعلى كثيرا من كندا بالنسبة للفرد مقابل خدمة أقل.
حاولت دراسات شرح لماذا الوضع هكذا، أي لماذا يدفع الأمريكان أكثر ويحصلون على خدمة أقل، خاصة ما قالته دراسات إن نظام الرعاية الصحية الأمريكي أقل كفاءة less efficient مقارنة بالكندي. وترجع الدراسات السبب إلى أن الخدمات الصحية الأمريكية القائمة أساسا على القطاع الخاص، تعامل تلك الخدمة كما تعامل أي سلعة وخدمة تجارية أخرى، بدلا من اعتبارها خدمة ذات طابع اجتماعي. ومن ثم فتوافر الخدمة قائم على القدرة على الدفع أكثر من الحاجة إلى الخدمة. بمعنى آخر، توفير الرعاية الصحية سوقيا يحمل درجة من فشل السوق. وفشل السوق موضوع طويل وخلاصته فشل السوق في أداء وظيفته المفترضة لاعتبارات كثيرة موضوعية معيارية ككون السلعة غير قابلة للاستبعاد أو المنافسة (سلعة عامة) أو لنقص المعلومات جوهريا عن المستهلك أو أنها خارج نطاق قدرته المعرفية (الدواء أشهر مثال).
ماذا بشأن الخصخصة الجزئية؟ يجب أن تدرس بعمق وعمق. لأن تجارب دول ومنها كندا لم تشجع على نجاحها لأنها سحبت الموارد الصحية القائمة من بشرية ومادية من الحكومة لكنها زادت التكلفة والعبء على الاقتصاد.
أختم الحديث بتجربة دون تعليق. كان مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي في الرياض (الواقع على طريق الملك عبد العزيز أي المطار القديم) قبل أكثر من 35 عاما يتبع وزارة الصحة، وكان يتقاضى رسوما مخفضة على الخدمة، تغطي جزءا من التكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي