هل عليّ أن أحترم الجنس الآخر؟
تأملات الإثنين - 23
.. سؤالان بنفس المعنى، من فتاة ومن شاب، وحرصي على الإجابة لمسألة فهم أن الجنسين لا بد أن يتقابلا بالميزان أيهما أفضل، إجابة تحاول ألاّ تكون إجابة لم يعد يهضمها العقل الشاب العصري للدور العام للجنسين لاستمرار الجهد الإنساني نحو التقدم للأفضل.
سعاد تخرجت في جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيمن تخرج في جامعة في نيوزيلندا، وسعاد وأيمن كلاهما مهندسا معلومات. والسؤال يتمحور حول: "هل يجب عليّ أن أحترم جنسي أكثر من الجنس الآخر، أو العكس؟"
السؤال عميق جدا، وعمقه يأتي من طرفه الثاني وليس الأول، فالأول طالما سُئل وطالما تم تناوله، أما الثاني "أو العكس" هنا المسألة والجوهر. وبما أنهما وثقا بي ليطرحا السؤال فإني أجيب سعيدا، لأن الثقة تفتح لاحترام الرأي قُبِل، أو لم يُقبل.
من الأمور المحزنة بمختلف التدرجات الحضارية والمدنية الإنسانية وضع تلك الخطوط الغليظة تحت الفروقات بين المرأة والرجل، وهوجم الفكر الإنساني براجمات وقنابل من أقوال وكتب وبحوث في هذا الأمر، لم تخلُ منه حضارة قديمة ولا حديثة على وجه الأرض. في الحضارة التي يحب الكثيرون أن تُذكر بالعصر الزاهي للإنسانية وهي حضارة الإغريق عاشت المرأة أقل درجاتها شأنا على الإطلاق، فقد كانت إما عبدة مملوكة حتى لو كانت من كبار الأسر ومن العنصر اليوناني نفسه ولكن ليست من الحاضرة- الدولة أثينا، أما المحظوظة الأثينية فهي حظ لا تحسد عليه، لأنها حرفيا تعتبر مثل الآنية الفخمة، أو التحفة النفيسة في قصور الكبار، وكما يتباهى الموسرون بأفخم السيارات أو اللوحات الفنية، أو التحف النادرة الآن، كان وجهاء أثينا يحتفظون بالزوجات ويتباهون بهن أمام زوارهم جمالا ومظهرا كأي تحفة في القصر، وهذا مسجل ومتداول في أي تاريخ بسيط للحضارة الأثينية. ومن نافل القول الذكر إنه لم يكن لها أي دور في السياسة أو الإدارة في أي شأن عام. وفي العصور الذهبية لحضارات ما بين النهرين كانت الفتيات يبذلن للمعابد، بحكايات سجلها أهل الأنثروبولوجيا والأركيلوجيا، لن يسمح الرقيب بنشرها لو حاولت ذكرها.
وفي لندن وباريس كانت المرأة في أقل قدر لها حتى القرن التاسع عشر، ومن أكبر الشواهد أن تختبئ النساء وراء أسماء رجالية كي ينشرن أعمالهن الفكرية، كجورج ساند، التي كانت تُحسب رجلا ثم اكتُشف أنها توارت وراء اسم رجل، وكثيرات غيرها في فرنسا وبريطانيا. والأمثلة أقوى وأمر في روسيا القيصرية والصين حتى أول عقدي القرن العشرين.
الذي أقوله لأيمن وسعاد هو أن الأمر شاسع لو أردنا أن نصلح التاريخ الإنساني حتى اليوم، لكن هناك دوما بداية من الفرد ثم تنتقل لباقي الإنسانية؛ كم يأخذ هذا الوقت ليصل لبقية الإنسانية؟ ليس شأنكما.. محرك التاريخ سيقوم بذلك.
الذي يجب أن يبدأ منكما هو أن تحترما وتُسعدا بالقيم وراء الفروقات بين الرجل والمرأة، وأن تعتزا بها، والاحتفال بأنها تتداخل للدفع الإنساني كتداخل أسنان التروس التي تحرك تروسا تدير الآلات والمحركات والمولدات، إنه الجمال الحتمي وراء الاختلاف التكويني ووظائفه العضوية التشريحية.
ولكن.. نحن من الداخل، من جوهرنا الإنساني واحد. فأنا حزنت جدا لوفاة والدي - يرحمه الله -، وكذلك فعلت أختي. إذن أنا وهي بجوهر المشاعر واحد. وكلنا نحب ونكره بذات الطريقة، ونفكر بذات العقل، وتدور دماؤنا المتشابهة من عضلة قلب واحد لا فرق بينها، ولا في خلية واحدة.
المرأة والرجل تمسهما تلك المعجزة الخلقية في المشاعر والتفكير والأحاسيس والتركيب الحيوي ليس كرجل وكامرأة وإنما.. كإنسان.
وهنا المحك الاحترام؛ فإذا لم يحترم الإنسان كونه إنسانا.. فمن يحترم إذن؟