مراكز الشرط والتطوير المنتظر
على مدى السنوات الماضية كانت الجهود الأمنية مثار الاحترام والإعجاب وكان رجال الأمن محل ثقة المواطن والمسؤول لدورهم العظيم في حماية أمن الوطن من الأشرار والمتربصين بمختلف انتماءاتهم، ويجدر القول إن الأجهزة الأمنية بما تملكه أرغمت الجميع على احترامها.
والتطوير الذي ننشده يظل مطلبا طبيعيا واستمرارا لجهود وزارة الداخلية الكبيرة التي نجحت في إطلاق حزمة من المبادرات التطويرية لأجهزتها المختلفة في الأمن العام، والجوازات، ومكافحة المخدرات، والأحوال المدنية، واستفادت حقيقة من الثورة التقنية التي اختصرت الجهود وساعدت على تقليص الإجراءات ومواعيد الانتظار وغيرها مما نلمسه ونشاهده. لكني أرى أن "مراكز الشرط" ما زالت بحاجة إلى مزيد من مبادرات التطوير خاصة أنها المعنية باستقبال بلاغات المواطنين والتعامل مع القضايا الأمنية بشكل يومي وهي تمثل الصورة الذهنية للأمن العام في بلادنا.
وقبل أن أتحدث عن بعض ما يقتضيه التطوير سأذكر تجربة شخصية لي مع أحد مراكز "الشرطة في المنطقة الشرقية" قبل بضعة أشهر راجعت فيها المركز والإبلاغ عن حالة هروب خادمة منزلية. وحين دخلت المركز توقعت أن أجد مثلا قسما مخصصا لاستقبال البلاغات وتسجيل البيانات وفق نماذج إدارية ولم أجد سوى مكاتب عشوائية تجمع كل القضايا والجميع يدخل، صاحب الشكوى، وصاحب الاستفسار، وأصحاب المراجعات وغيرها. وكنت أتساءل وأنا أشاهد عشرات المراجعين يتنقلون بين المكاتب في الدور الأول والثاني للمبنى. كنت أتمنى لو كان هناك قسم معزول عن كل هذا الزحام مخصص لاستقبال البلاغات وأشبه ما يكون بأقسام خدمة العملاء في المؤسسات يستقبل المواطنين ويجيب عن استفساراتهم ويكون دخول المراجعين وخروجهم وفق إجراءات أمنية معروفة تحمي الجميع بعد الله.
اضطررت معها لكتابة شكواي في خطاب لمدير القسم وهو برتبة عقيد الذي بدوره أحالني إلى مساعده برتبة مقدم ومن ثم إلى آخر برتبة رائد، وهكذا مررت على جميع الرتب حتى وصلت إلى آخر جندي موجود في القسم، فقام بتسجيل بعض المعلومات في كراسة قديمة. وكنت أتساءل وقتها وأنا أشاهد كثيرا من الأوراق المتكدسة على المكاتب كيف غابت التقنية عن هذا المركز؟ كان بالإمكان لو أن هناك برنامجا أمنيا لتسجيل واستقبال البلاغات وفق نماذج أمنية يشاهدها كافة العاملين وهم في مكاتبهم بدلا من كل هذه الإجراءات والتواقيع والأختام.
ونظرا لأن قضيتي لم تنته وإنما لها علاقة بمركز آخر فقد اضطررت أن أحمل نسخة من أوراقي وأقوم بمراجعة المركز بعد يومين وكان مثلي كثير من المراجعين. ولا أعرف لماذا لا يوجد ربط آلي بين مراكز الشرط في المملكة يساعد على سرعة تمرير المعلومات وضبط المطلوبين.
وكم كنت أتمنى لو تحقق هذا الربط الإلكتروني ليكون على مستوى المملكة مثلما فعلت وزارة التعليم التي ربط أكثر من 35 ألف مدرسة و400 ألف موظف وموظفة بنظام "نور" المركزي الذي حقق نقلة هائلة في توحيد الجهود وسرعة نقل البيانات.
لقد قرأت سابقا أكثر من تصريح لمسؤولين في الأمن العام عن مشروع تطويري لمراكز الشرط يتضمن إنشاء مبان نموذجية والاستفادة من التقنية، وسيكون هناك مركز نموذجي في كل مدينة ومن ثم تعمم التجربة لكن لا أعرف أين وصل المشروع ومتى سينفذ؟
إن حرصنا على استمرار هذا الأمن والأمان يجعلنا نطالب المسؤولين باستباق الزمن وتحقيق ما نطمح إليه، فالأمن يستحق إن يبذل من أجله الكثير.