رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ليس كرما بل سخافة

يصل الجنون والسخافة لدى بعض الناس حدا غير مستساغ، ما يؤكد أن بعضهم يعاني اضطرابا وارتباكا عجيبين في المفاهيم والقيم؛ نتيجة شعور بالنقص أو صعوبة استيعاب التغير الاجتماعي السريع من مجتمعات بدوية وريفية تقليدية صغيرة إلى مجتمعات حضرية تعيش في مدن مليونية. ولا شك أن هذه التصرفات والسلوكيات التي تتسم بالسذاجة والسخافة حينا، وتدعو للشفقة على أصحابها أحيانا أخرى تولدت بعد سنوات الطفرة الاقتصادية التي نتج عنها وفرة المال والمأكل. فلابد أن يكون اختلال هذه القيم واضطرابها وراء قيام أحدهم -على سبيل المثال- بتقديم "دهن العود" لضيوفه ليغسلوا به أيديهم بدلا من الماء، وتخصيص (كريم) آخر صحن "مفطح" مستقلا لكل واحد من ضيوفه؛ لتأكيد الحفاوة والكرم، واستخدام (كريم) ثالث من هؤلاء القوم أوراقا نقدية ضمن البهارات عند إعداد القهوة العربية، وقيام رابع من جماعة ما تسمى بــ"الهياط" بتغيير اسم ابنه البالغ من العمر 20 عاما، واستبداله اسمه المسجل في بطاقته الشخصية باسم ضيفه "الغالي"، وكأن ابنه سلعة يمتلكها يتصرف بها كيفما شاء، ومتى شاء دون مراعاة لحقوق الإنسان.
وجاءت الطامة الكبرى المقززة، فقد قام أحد (السخفاء) حسب مفاهيم "الهياط" بإعداد مقطع فيديو يظهر فيه (الرجل الكريم) وهو يتظاهر بنحر ابنه من أجل ضيوفه. لا يمكن تفسير هذه السلوكيات إلا بمعاناة من الخواء الفكري، والشعور بمركب نقص كبير، بل تعكس أزمة قيم يعانيها المجتمع، ويتطلب الانتباه لما طرأ على مدلولات بعض القيم والعادات من تشويه. فالكرم الذي يتميز به العربي كان في الماضي "استراتيجية" ضرورية للبقاء على قيد الحياة في صحراء تشتد بها الحرارة ويشح فيها الماء؛ نتيجة حياة الصحراء القاسية، ولا يزال هذا الكرم العربي الأصيل سمة مميزة وجميلة يتسم بها العربي دون غيره من شعوب الأرض، ولكن الكرم العربي الأصيل يختلف عما نراه اليوم من سلوكيات مخجلة، أسهمت في تحويل مفهوم الكرم الجميل ودلالاته النبيلة إلى مباهاة و"هياط" يسيء إلى ثقافة العرب عموما والصحراء خصوصا. ومما يعزز قيم الإسراف ويزيد الطين بلة إقامة الولائم الباذخة في المناسبات والمؤتمرات الرسمية، على عكس ما نراه في الفعاليات التي تنظم في الدول المتقدمة.
وللحد من هذه السلوكيات المذمومة ينبغي التصدي لها من قبل وسائل الإعلام بإبراز أضرار هذا السلوك الذي يتنافى مع ديننا الحنيف وقيمنا العربية الأصلية، فالله سبحانه وتعالى يقول: "وكلواْ وَاشْرَبواْ وَلاَ تسْرِفواْ إِنَّه لاَ يحِبّ الْمسْرِفِينَ". إذا لا بد أن تسهم المدارس في تصحيح الخلل وغرس القيم النبيلة في نفوس وسلوكيات الطلاب منذ سنوات التعليم الأولى. ولكن كيف للمدارس أن تغرس هذه القيم، وتصنع "القدوة الحسنة"، وبعض المدارس تنمي روح المبالغة في الولائم من خلال الحفلات والرحلات المدرسية التي تدور رحاها حول "المفاطيح"، بل تكون بعض جوائزها "الذبائح" و"التيوس" و"القعدان"! أعتقد أن المدرسة والجامع هما أكثر وسائل التصدي لهذه القيم التي تشوه تراثنا وقيمنا العربية الإسلامية الأصيلة، إضافة إلى القدوة الحسنة والرسائل المؤثرة التي ينبغي أن ترسلها الأجهزة الرسمية من خلال الولائم التي تقيمها تكريما لحضور المؤتمرات والفعاليات الرسمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي