رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


بناء الوعي لهدم التطرف «2»

عطفا على مقالي السابق، تظل قراءة التاريخ بهذا القدر العظيم من التنوع والتعدد وتقبل الاجتهاد المتقابل والمتعارض، الذي انتهى لتكوين الفرق والمذاهب الإسلامية، وبكل عيوب القرون، وذنوب أهلها وفعل السياسة فيها، وذاك القدر المقدر من إدراكهم ومبلغ علمهم.. فكل زمان له منزلة من المعرفة، هي أقصى ما يحيط ومنتهى ما يعلم ويدرك، وليس في هذا نقص له، ولا استعلاء عليه، ولكنها ضرورة الصيرورة والتحول، واتساع أفق الرؤية، ومساعدة أدوات المعرفة.
حينئذ يتحول تاريخ الماضين إلى صورة غامضة لواقعنا بكل ما فيه، من تناقض، وكذب على الحقيقة، وصراعات قاتلة على المصلحة وإن اتصف هذا كله أو بعضه بمسميات دينية أو مذهبية كما هي سنة حروب الشرق.. فكل الحروب السياسية على أراضيه تتصف بالنصرة للدين من لدن الحروب الصليبية حتى احتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها ونفيهم في شتات عريض من الأرض.
بهذا الفهم الطبيعي للتاريخ نجعل كل شيء قابلا للتقييم وإعادة الفهم وأن هذا التراث الهائل، ليس كله عظيما، ولا كل من فيه طاهرا، ولا رؤيته واجتهاد أهله معصومين.. فيه كل ما فينا من ضعف وخطأ وانحياز لطائفة وميل وهوى، وتفضيلا مسبقا لهذا على ذاك قبل محاكمة أسباب حكم هذا، أو دليل فتوى ذاك.
أحداث التاريخ ووقائعه وفتوى السابقين وكتبهم، في مجملها مثلت الاعتقاد أنهم الإسلام وليس هم "من المسلمين"، وأنهم مجتهدون صادقون في فهم الإسلام فقط، وأنهم يمثلون مرحلة من مراحل التاريخ في مدارجه الأولى من الترقي والمعرفة، وبهذا لا نرفضه كأنه عار لا نرغب أن ننتسب إليه، أو ينتسب إلينا، ولا نتلبسه بما يشكل مأزق التكيف مع الواقع وتقبله. كما هي الحركات السياسية الدينية. فرسالتها المشتركة سحب الحاضر للتاريخ، وتأصيل جريمة تدمير الواقع من خلال روايات تاريخ المسلمين، بكل ما في سبيل الروايات من عيوب وضعف وغلبة ظن، مخالفة لكتاب الله الظاهر المبين.
ينبغي أن نعلم الأجيال التاريخ بشكل يمثل حقيقته، وما كان عليه تماما، على الرغم من عثراته الكثيرة، ومع انتصاراته الكبيرة أيضا، ينبغي أن يدرك هذا الجيل أننا من أواخر الدولة العباسية ونحن نتراجع كأمة مسلمة.. وأننا لم نزل نعيد ذات المقدمات وننتهي لذات النتائج في كل مرة، وإننا لم نترك عادة الصراع بين الطوائف، ولم نتخل عن قابلية الاستعمار الخارجي وعدم الوعي الكامل ثقافيا وتجاريا وسياسيا.
وبهذا نفهم مزاعم إصرار الحركات السياسية الدينية على نظرية الخلافة الإسلامية، بوصفها مخرجا لها من كل تحدياتها ومحنة واقعها، وأزمتها الحضارية. وهذا إما أن يكون انفصالا عن الواقع والعجز عن تقبله، والعيش في تحديات الإسهام في تطويره، بوصفه نمطا جديدا من أنماط الحكم الصحيح البديل لخلافتهم التي يرفضها المسلمون إلا قلة قليلة تتعاطف مع هذه الحركات العنيفة التي تجردت من كل معانيها الدينية والإنسانية والأخلاقية. والعودة لقهر الإنسان، ومصادرة حقه في تقرير مصيره، سيكون مستحيلا كما هو حال المناطق التي سقطت تحت حكم مافيا داعش، التي تقتل كل من لا يوافقها في الرأي، ولا يقر لها بالاتباع الأعمى.
وإما أن تكون هذه النزعة لها سبب عميق من أسباب مرض النفس والرغبة في السيطرة على العالم، من خلال العودة إلى قصص قديمة متعالية.
بات الماضي والتاريخ بالمفهوم الذي يتم تقديمه لأجيالنا العربية والإسلامية رافدا من روافد التطرف والكراهية والانفصال عن الواقع وعدم القدرة على تقبله والعيش فيه، مع ازدراء المجتمع، والشعور الدائم بالفوقية عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي