رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كسبوا المعركة وخسروا الحرب

قبل خمس سنوات، كنا نتسمر أمام شاشات التلفزيون متأثرين حينا مع الشعوب ومتعاطفين مع الأحداث، وربما قلقين مما سيأتي. ذكرى ثورة 25 يناير، المنعطف الأكثر درامية في حياة المصريين. كان شكل الثورة مهيبا وصار شكل العربي ملهما ومختلفا في الإعلام العالمي، ومخيلة الشعوب. كان العرب أقرب إلى وصف العرب الجدد. والساحات تشكل ميلو دراما على مسرح الواقع: بن علي رحل، هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، الشعب يريد إسقاط النظام. ربما لم يكن الشعب يعرف إلى أين يذهب فقط قاده الغضب نحو مرحلة أخرى من الهيجان. من الذي يقود؟ من الملهم؟ من البديل؟ أصبح المشهد غائما كما لو دخل الجميع في تورنيدو.
ولا شك أن تنحي الرئيسين في ثورتي تونس ومصر صدم الثوار أنفسهم قبل العالم، ولا سيما في مصر. الشباب الذين رأوا أنهم أسقطوا الرؤساء أخيرا، كان هؤلاء الرؤساء في السلطة قبل حتى أن يولدوا. لكن لا أحد منهم يشعر بالرضا اليوم. بل إن أغلب قادة الثورات ابتعدوا عن المشهد، وقد يعبرون عن خيبات أملهم ويختفون. القصة أنهم ثاروا ضد أنظمة. كانت المطالب ديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية وحقوقا اقتصادية. مطالب مشروعة بلا مشروع. فازوا في المعركة لكنهم خسروا الحرب. وكان الميدان في مصر يجمع الشعب بكل تياراته. وكان الإخوان قد قفزوا على المشهد متأخرين حتى أصبحت لهم اليد العليا. هل كانت مؤامرة؟ هل لم تكن؟ لا يهم طالما أن النهاية حسمت بالكثير من الفوضى والقليل جدا من الأمل.
في مصر لم تكن فوضى الثورة تهدد الرئيس حسني مبارك بل المنظومة كاملة السياسية والاجتماعية. منذ ثورة 1952، لعب الجيش المصري دورا بارزا في بناء وأحيانا إدارة النظام السياسي. وقد كان المجتمع المصري إبان حكم الإخوان القصير الأمد التالف للتاريخ، مستقطبا للغاية. كان فرض النظام مهما كان الثمن بالنسبة للجيش المصري هو الخيار الوحيد لإنقاذ البلاد من انهيار كارثي. أما حكاية الثوار فليست المسألة في خيبة الأمل. القضية كانت تكمن في الفوضى التي تهدد البلد ونظامه وأمنه وشعبه. وكان للجيش وما زال سلطته التي لا بد أن تحمي المنظومة الكاملة بعزل من يهددها واستخدام القوة لحماية جوهر المصلحة الوطنية.
الثورات قد تتشابه في التاريخ شكليا، مع اختلاف الظروف. لكن الثورات التي صنعت دولا أوروبية لا تشبه الدمار اليومي في الشرق الأوسط، ولا سيما في عصر وفكر يفترض به أن يكون أكثر جاهزية للتغيير. مصر بها تسعون مليونا لديهم هموم متشابهة شأنهم شأن تونس وليبيا وسورية وغيرها. وحكم محمد مرسي عاما. لم يفترض أن يمثل مرسي الإخوان كرئيس، لكن الإخوان حكموا فعلا من خلال الرئيس نفسه والمجالس النيابية. وصل الأمر أن أصدر مرسي إعلانا دستوريا يجعل السلطة التنفيذية تحت تحكمه، إضافة إلى التسريع في طرح مشروع دستور إسلامي على الاستفتاء. وهاج الشعب وهدد الإخوان بأن أي تهديد للإطاحة سيردون بالتضحية والعدوان. العدوان الذي لم يظهر في سلمية الثورة المفترضة. هنا تكشفت الحقيقة المرة. وجد الجيش المصري نفسه يلبي النداء العالي في حماية المصالح الوطنية الأساسية، بما في ذلك وقف الإضرابات العمالية التي وصلت حتى إلى مرافق الجيش واقتربت من شل الاقتصاد. كان على الجيش استعادة القانون والنظام في مواجهة الإجرام المتفشي وشبح الحرب الأهلية.
لا شك أن آثار حرائق الثورات في المنطقة لم تنته بعد. وإذا ما كان العرب دخلوا في معمعة ضخمة هي الأكثر مرارة، إلا أنهم يدركون الآن شكل المحنة التي هم فيها جيدا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي