رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وسائل التواصل الاجتماعي .. والسلوك السلبي

بين فينة وأخرى تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد يعتبرها أصحابها مظاهر كرم، حيث تعرض الموائد الفاخرة، أو غسل اليدين بدهن العود، بدلا من الصابون، أو من يصور مشهدا يوحي بقتله لابنه لتقديم دمه لضيوفه، كمبالغة في الكرم، تساءلت وأنا أشاهد هذه المناظر لماذا ظهرت وكثرت في هذا الوقت رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت منذ سنين، ولم نشاهد مثل هذه المناظر وبهذه الكثرة إلا في الفترة الأخيرة؟!
هل زادت ثروة الناس، ولم يجدوا قنوات صرف للأموال إلا ممارسات يظهر من خلالها أصحابها خصائص يحب أصحابها معرفة الآخرين بها، والتعريف بأنفسهم من خلال هذه المشاهد؟! وهل الصورة الذهنية التي يطمعون في رسمها لدى الآخرين تتحقق بالشكل الذي يرغبون؟ ولو راجعنا ردود الفعل التي صدرت من عموم الناس إزاء المشاهد التي عرضت لتبين لنا الرفض الواضح لهذه التصرفات لمنافاتها مبادئ الشريعة التي وردت في كثير من النصوص، المحذرة من الإسراف، والتبذير (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) وقوله تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) وقوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين).
الاستهجان الحاد الذي صدر من الناس ليس غريبا، لأن المشاهد التي نشرت، وأصبحت في متناول الناس أين ما كانوا تتنافى مع أبسط مبادئ الذوق، والحس الإنساني، فمشاهد الإسراف يمكن أن تحدث مشاعر سلبية عند الفقراء، والمحرومين الذين يفتقدون أبسط الاحتياجات الحياتية، ويتمنون الحصول على جزء بسيط مما يرونه على الموائد، أو في مظاهر البذخ الفاحش الذي يمارسه بعض الأفراد.
المشاهد التي عرضت على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في متناول الجميع، من يتفق معنا، ومن يختلف، ومن يفهم ثقافتنا، ومن يجهلها، فإذا أضيف لها الخلفية السابقة عن العرب والمسلمين التي شوهها الإعلام، والمؤلفات، والأفلام فسيجد المشاهد في هذه التصرفات ما يؤكد الصورة السلبية التي تشكلت سابقا لديه، ليخرج بما يؤكد عدم تقديرنا للنعمة، والمال الذي منّ الله به علينا، وفي هذا خطورة، إذ نغرس صورة سيئة يصعب محوها فيما بعد، بل قد يصل الأمر به إلى الاعتقاد بأننا لا نستحق الثروة التي بين أيدينا، وهذا ما يردده البعض خاصة في الغرب، حيث يرون ضرورة سحب هذه الثروة منا لأننا في اعتقادهم غير مؤهلين، ولسنا أهلا للقيام عليها، بما فيه صلاح البشر.
ممارسات عدم احترام، وشكر النعمة التي تشمل التفحيط، وتدمير السيارات الفارهة ذات الأثمان الباهظة من شأنها أن تسيء لعموم المجتمع؛ لأن مبدأ التعميم وهو أحد المبادئ النفسية له حضوره، وفرصته، خاصة كما سبقت الإشارة من قبل، الآخرون لديهم استعداد مسبق لتشكيل هذه الصورة الذهنية نحونا.
يتحير المرء في تفسير الممارسات العبثية، خاصة مع وجود المستحقين في المجتمع، ويمكن التساؤل هل من يقدم على هذه الممارسات على اتصال بمجتمعهم، أم أنهم معزولون، ويجهلون واقع مجتمعهم، والأحرى بهم كجزء من شكر النعمة الوقوف مع المستحقين بدلا من إهدار النعمة بصور عبثية ضررها أكبر من نفعها على صعيد الفرد، والمجتمع، لما لها من أضرار على الاقتصاد الوطني، كما أن الأثر السلبي يأخذ صورة سلبية أخرى تتمثل في إيجاد قيم سلبية لدى الناشئة حين يرون آباءهم، ومن يعتبرونهم قدواتهم يمارسون هذه الممارسات.
في محاولة لتفسير السلوكيات المشار إليها، يمكن القول إن الرغبة في لفت انتباه الآخرين وحب الظهور، نتيجة الشعور الخاطئ بالتهميش، أو افتقاد القيمة، والأهمية قاد هؤلاء إلى اختيار الطريق الخطأ، فماذا لو أن ما تم صرفه بهذه الطريقة صرف في عمل خيري، وجه لدعم طالب يرغب في إكمال دراسته، أو مريض يسعى للعلاج، أو فقير يحتاج إلى بناء منزله.
الإسراف، والبذخ لا يقتصران على الأفراد في مجتمعنا، بل الجهات الرسمية تمارس الإسراف في المال العام، فترك إنارة الشوارع مضاءة في النهار إسراف، والورود المبالغ فيها على طاولات المسؤولين إسراف، والموائد الرسمية الباذخة إسراف في المال العام، وهذا يقتضي أن يراجع الأفراد، والجهات الرسمية سلوكهم، ويتم التحكم في سلوك الاستهلاك لينضبط بضوابط الشرع، والمصلحة الوطنية. الإسراف ليس خاصية ثابتة لا يمكن تعديلها، بل خاصية مكتسبة، تعالج في التربية، من خلال غرس قيمة شكر النعمة، إضافة إلى الوعي، وتطبيق الأنظمة والمحاسبة فيما يتعلق بالمال العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي