رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معنى أن تكون الشريعة كنزا زمنيا

«تأملات الإثنين»

.. نردد بثقة وبيقين وإيمان أن الشريعة الإسلامية شاملة لكل شيء، وأنها أرقى الشرائع، وأنها تصلح لكل زمان ومكان، وأعدلها وأنبلها وأشرفها تعاملا ومعاملة مع الإنسان ومع الإنسانية. هل يكفي ذلك؟ بالطبع يجب البرهنة عليه بالعمل والتطبيق.. والفهم الصحيح.
وأول فهمي كمسلم عادي، بأن الإسلام يجاري كل زمان، واستنتاجا أنه يستطيع أن يواكب الفهم المعاصر بكل زمن. عندما أقرأ لبعض الأجانب الباحثين، من القدامى ومن الجدد، في الشريعة الإسلامية، أجدهم يخرجون دراساتٍ إسلامية يوردونها في معرض المقابلة بين شريعة ظهرت منذ 14 قرنا والشرائع الحديثة الوضعية، ثم يخرجون بنتيجة تتقدم على تلك القوانين الوضعية، قوانينهم هم.
هنا أصارحكم، أشعر أننا مقصرون، ومع التقصير شيء من الخجل.
لا يمكن أن أعزو ذلك لهيام الباحثين الأجانب بالشريعة الإسلامية، ولكني أعزوه بثبات إلى طرائقهم الجادة والمنهكة في البحث والإثبات وإلى الثقافة الواسعة بالمعارف الإنسانية عموما، هذه المقدرة تؤهلهم للوصول إلى ما لا يصل إليه من فقد تلك الطريقة وتلك الثقافة الإنسانية.
الشريعة الإسلامية قانون، أنبل قانون على الأرض. والقانون ينظم الحياة لكل زمان وعصر وأي تغير فيهما، ولا بد أن يقع التغيير بالحتم. القوانين التي وضعها الغرب تغيرت عبر القرون لتوائم دينامية التغير الشامل في مجمل متطلبات التغير والرقي الحضاريين. والإسلام يصلح لكل زمان وظرف كما قلنا، ومن هنا ينبع رأيي بأن الشريعة الإسلامية بحكم صلاحيتها الدائمة فإنها أيضا يمكن أن تؤطر بقوانين مضبوطة ومكتوبة ويرجع لها القضاة بالنص، أو الاجتهاد في روح النص المكتوب، الذي من الممكن للقاضي أن يشير إليه نصا ورقما حسب كيفية التجميع والقولبة من الشريعة الإسلامية.
اجتهد القانوني العظيم الدكتور السنهوري، لما وقعت دول عربية في مصيدة الدساتير الوضعية، في استغلال الموقف لا معارضته. هذا الرجل هو من وضع في عام 1936 القانون المدني العراقي بالكامل مستعينا أولا وأخيرا بمنطلقات ومفاهيم وقواعد الشريعة الإسلامية وبثقافته الواسعة في المعارف الإنسانية التي ثقف بها نفسه وتعلمها بتفوق في جامعات الغرب. ثم بعد ذلك وضع القانون المدني الليبي، وفي الخليج استعانت به الكويت بعد استقلالها من بريطانيا بوضع دستورها من تصورات الشريعة وروحها وجوهرها.
لا أثق كثيرا بكلمة دستور، ولكن الذي أريد أن أصل إليه هو "التقنين"، وهذا يفتح باب الدقة في العدل الحكمي بشكل أكبر للرجوع لنص مكتوب وواضح. وهذا التقنين يشرف عليه علماء شرعيون متقدمو الفهم لمتطلبات العصر العلمي والعملي. وربما ذكرت هنا أن الشيخ الدكتور ناصر الميمان بمجموعة كتبه عن "النوازل"، أي الأشياء المستحدثة، تكون صورة واضحة على القدرة العقلية في استيعاب العصر ومجاراة الأحكام به وله مع مقتضيات الشرع الصحيح. على أن الدكتور الميمان لم يصف النوازل بصيغ قانونية، وإنما بشرح أحكام الحالات المستحدثة، ولكنها تقع بهذه الإمكانية لتخرج قواعد الشرع الإسلامي كتابا قضائيا مرجعيا يقلل من الاجتهاد الشخصي المتغاير لظرف ومعرفة القاضي، ويعطي الوحدة والتماسك في الحكم العدلي العام.
وشريعتنا الإسلامية، شريعة عامة صالحة لكل زمان، وأضيف أنها صالحة لأي شخص بأي مكان (وما أرسلناك إلا كافةً للناس). وبهذا الوصف فهي بجوهرها تعين كل العناصر البشرية الخيرة لعلاج المساوئ الأخلاقية، والسياسية، والاقتصادية، ووضع النظام الملائم لحياة إنسانية تقوم على أساس التعاون والإخاء والسلام. وهذا لا يتعزز إلا بالطريقة الجاذبة التي تيسر الفهم الصحيح للشريعة، وتصحح مفاهيم من خالفها.. بل حتى من عاداها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي