الخريجون .. ومخرجات التعليم الجامعي
خلال عملي في إحدى لجان التوظيف قبل أسابيع كنا نستقبل عشرات الشباب يوميا في تخصصات متنوعة من حملة الشهادات الجامعية ومعظمهم متخرج حديثا، ومن خلال أسئلة المقابلة الشخصية كان القاسم المشترك بينهم ضعف خلفيتهم العلمية بشكل واضح، إلى درجة أن بعضهم لم يكن يعرف أدنى الأبجديات في تخصصه، كما لم يظهر على كثير منهم في سلوكهم وتصرفاتهم ما يوحي لنا بأنهم طلبة جامعيون، وأذكر أن أحد المتقدمين كان تخصصه لغة إنجليزية لكنه لم يكن يجيد الحديث إطلاقا ولا حتى معرفة بعض المصطلحات.
هذه الصورة السلبية ليست مفاجئة لمن يعرف أن هؤلاء الشباب هم مخرجات ما يعرف بالتعليم عن بعد، الذي استحدثته الجامعات السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، وتوسعت فيه دون ضوابط سوى الرسوم الدراسية التي كانت تراوح بين 3000 و4000 ريال لكل فصل دراسي، وربما كانت المبالغ المالية التي استحصلتها الجامعات في هذه البرامج مغرية للتنازل عن جودة التعليم الأكاديمي الذي كنا نطمح إليه.
لم تقدم الجامعات ما يشفع لها بتطوير قدرات هؤلاء المتقدمين أو تغيير سلوكهم نحو الأفضل وهذا نتيجة طبيعية لبرامج تعليمية اندفعت في التوسع فيها دون معرفة بأبعاد نجاحها قياسا بالبيئة التي تقدم فيها.
وحين كنت أسأل بعض الخريجين عن الطريقة التي كان يتم تعليمهم بها اتفقوا على أن المسألة لم تتجاوز "التسجيل الإلكتروني" ودفع الرسوم ومن ثم الحضور كل فصل للإجابة عن الأسئلة المعدة وتصحيحها إلكترونيا وغالبا لا يخرج محتواها عن مذكرة مختصرة في أوراق معدودة يقرأها الطالب قبل الاختبار ويعاد توزيعها كل عام بالطريقة نفسها.
ولذلك خرج لنا جيل جديد من الأميين بلا معرفة وبلا مهارات ولكن بشهادات جامعية.
واستمرار هذا النوع من التعليم يعد كارثة وطنية بكل المقاييس، ولا بد من إيقاف هذا العبث حتى لا تتفشى هذه الأمية الجديدة كما حدث في دول عربية معروفة بسبب ضعف أنظمة التعليم وغياب الرقابة والحرص على جمع الأموال وغيرها.
من أراد أن يتعلم ويطور مهاراته وقدراته المعرفية ليحصل على شهادة جامعية فلا بد أن يكون حاضرا في قاعات الدرس يصغي ويناقش ويحاور ويستفيد، أما أن يبقى في بيته ويأتي آخر العام للإجابة عن بضعة أسئلة فهذا النوع من العبث لا يتفق مع متطلبات التعليم الجامعي وشروطه المتعارف عليها، وعلى الجامعات مسؤولية وطنية ينبغي لها ألا تنجرف تحت سطوة المال وتنمية مواردها المالية لهذا التنوع من التعليم إلا إذا كان وفق شروط الانتظام النظامية في الفترة المسائية.
هناك ما يقارب نصف مليون طالب وطالبة ملتحقين بهذا النوع من التعليم وعلى وزارة التعليم مسؤوليتها في الحد من هذه البرامج طالما تقدم بهذا الشكل العبثي ولا بد من إلزام الجامعات بصياغة نظام جديد يلزم الطلبة بالحضور ويلزم الأكاديميين الذين يحصلون على مقابل مادي إضافي لهذا النوع من التعليم بممارسة مسؤوليتهم وحضورهم فعليا لمتابعة طلبتهم.
ومساواتهم بالطلبة النظاميين من حيث الواجبات والمسؤوليات وبغير هذا لن يستقيم الأمر وسنجني على أنفسنا وعلى مجتمعنا بشهادات وهمية ومحتوى هزيل.