مقتضيات .. سعودي وأفتخر

جميل أن يفتخر المواطن ببلاده وإنجازاتها وأن يماري بنجاحاتها وإنجازاتها الأمم وشعوبها في إطار المنافسة في ساحات النهضة والتقدم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعسكرية والأمنية، وبكل تأكيد لا غبار على ذلك إن كان الافتخار بنجاحات ومنجزات حقيقية.
أما إذا كان الفخر بتزكية النفس بمدحها والثناء عليها وتبرئتها من العيب أو الوقوع فيه وتنزيهها عن الوقوع في الأخطاء كما يفعل البعض عند وقوع أي مشكلة أو جريمة بإسقاطها على غيره من الجنسيات أو الأعراق أو الأديان وتبرئة وتنزيه نفسه ومن ينتمي لهم وكأنهم من الملائكة التي لا تخطئ، فبكل تأكيد نحن أمام درجة من درجات الكبر كما قال بعض العلماء، وكذلك لو كان الفخر للتمدح بالخصال والمباهاة بالمكارم والتطاول على الناس بتعديد المناقب وأفعال الآباء والأجداد والحسب والنسب وغير ذلك مما لا دخل لهمة الإنسان فيه ومما يدخل في الخيلاء والرياء.
"بالهمم لا بالرمم" جزء من بيت للشاعر محمد القاضي ـــ رحمه الله ـــ يحل كثيرا من مشكلات مفاهيم الفخر فمن يريد أن يتفاخر فيتفاخر بهمته وما أنجزه على مستوى شخصه أو أسرته أو مجتمعه أو وطنه أو أمته أو العالم أجمع وغير ذلك فهو يفتخر بأفعال الأموات التي لن ينال ثوابها كما أنه لم ينل منها المفاهيم السليمة المحفزة لاستكمال مسيرة همة الآباء والأجداد.
وبالتالي للفخر مقتضيات أو لنقل مُسْتلزَمات أو متطلبات لكي يكون فخرا إيجابيا يثير النخوة والهمم والمنافسة بين أبناء المجتمع لفعل الخير والعمل الجاد والإنجازات والنجاحات ويدفع بالفرد والمجتمع والوطن إلى الأمام في ساحات المنافسات الفكرية والميدانية ودون تلك المقتضيات سيكون فخرا سلبيا بظن موهوم، والفخر بالوهم مصيبة كبيرة ذلك أنه فخر يخذل المفتخر عن معرفة واقعه والفجوة بينه وبين الآخرين والمعطيات المعيارية الأمر الذي يمنعه من التخطيط والعمل للتصدي لمعالجة الفجوة وفق المعطيات.
يقول أحد المفكرين "الشُكر" هو الأمر الإيجابي لكل ما أنعم الله به عليك خصوصا فيما لم تبذل فيه جهدا من شكل ومظهر ونسب وحسب وغنى الوالدين وغير ذلك "ولئن شكرتم لأزيدنكم" والعاقل خصيم نفسه، فالشكر يزيد النعم والفخر قد يدخله في دائرة الرياء والكبرياء، وعلى كل حال إذا كان لا بد من الفخر الإيجابي الذي يشعل المنافسة علينا أن نوفر مقتضياته ليؤتي ثماره.
أول مقتضيات سعودي وأفتخر التواضع والشكر ومعرفة الواقع والمعطيات والتعامل معها بشكل إيجابي يعزز قدرات ونجاحات الوطن وهذا يتطلب متابعة للمتغيرات الداخلية والخارجية، فالوطن مثل الوالد الذي يجب أن يراعي أبناءه ظروفه ويعملوا على دعمه وإسعاده وتحقيق طموحاته بما في ذلك طموحاته بأن يراهم صحيحين جسديا مؤهلين علميا ملتزمين بأداء أعمالهم دون تقصير وفق القيم الأخلاقية الإسلامية التي تحثنا على العطاء والإخلاص والأمانة والمصداقية والوفاء والصبر والإصرار والإتقان.
نعم فالمواطن ابن للوطن وعليه أن يتفهم ظروفه ومعطياته ويراعيها ويعمل بهمة وعزم على اغتنام الفرص التي يقدمها الوطن من تعليم عام ومتوسط وعال داخل البلاد وخارجها، وعلاج بكافة المستويات وبنى تحتية وعلوية ومنشآت ومرافق عامة مع المحافظة عليها وحمايتها إذ إن كل ذلك يرفع من كفاءة الخدمات التي يقدمها الوطن للمواطن ويجعلها تؤتي أكلها مواطنين أصحاء مؤهلين منتجين، سواعد بناء ينهضون بالوطن وبالهمم، بتواضع وإدراك كامل للواقع والفجوة بين الواقع والمأمول والعمل الجاد على معالجتها والتصدي لها.
ومن مقتضيات سعودي وأفتخر دعم تنافسية الوطن بين الأمم في جميع المجالات وعدم إهدار طاقاته وموارده بالتراخي والتكاسل والفساد الإداري والمالي بدعاوى مخذلة كأن يقول البعض: الكل لا يعمل والفساد منتشر والكبار يسرقون، فهذه أعذار واهية لا تسمن ولا تغني من جوع وهي أعذار الكسالى أصحاب الهمم الضعيفة والأفكار البالية الذين يسعون لمشاركة الناس في نجاحاتهم دون أن يبذلوا جهدا فكل ما لديهم اللسان، يفتخرون بأعمال وإنجازات غيرهم ويسلقون بألسنتهم العاملين الذين يخطئون، حالهم كحال كل من يعمل فمن لا يريد الخطأ عليه ألا يعمل ولا يقع في الخطأ.
من مقتضيات سعودي وأفتخر أن يكون السعودي قويا وليس ضعيفا، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والقوة بتجنب كل ما يضر بصحة الجسد والعقل من دخان ومسكرات ومخدرات وخمول وعادات غذائية سيئة وممارسة لهوايات خطرة في الساحات العامة كالتسابق في الطرق العامة والتفحيط والتجمهر، والقوة بالإقبال على العلم والتأهيل والتدريب واغتنام جميع الفرص التي توفرها الدولة وتنفق عليها المليارات للارتقاء بمستوى الموارد البشرية الوطنية لتكون موارد منافسة قادرة على اغتنام الفرص الوظيفية والاستثمارية وقادرة على تعزيز تنافسية المنشآت التي تعمل فيها وتحقيق أهدافها، نعم لكي تكون سعوديا وتفتخر يجب أن تكون منافسا لا متباكيا.
ومن مقتضيات سعودي وأفتخر أن تراعي موارد الدولة وأن تستخدمها باقتصاد حسب الحاجة دون إسراف أو تبذير كما يفعل البعض، فالإسراف والتبذير إضافة إلى أنهما أمور منهي عنهما، فإنهما يهدران موارد الدولة ويحرمان قطاعات أخرى من تلك الموارد كما أنهما يؤديان للغلاء الفاحش الذي يضر بأصحاب الدخول المتوسطة وما دونها.
ومن مقتضيات سعودي وأفتخر أن تحافظ على البيئة السعودية والحياة الفطرية وألا تترك مخلفاتك وراءك عن عمد في المتنزهات والمرافق العامة والصحراء وكأن الأمر لا يعنيك، فليس من المعقول أن يدمر السعودي بيئته وينهي الحياة الفطرية فيها.
وبعد .. أتطلع أن تكون جملة "سعودي وأفتخر" لاستشعار كل سعودي بمسؤوليته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه ليتشكل لديه موقف إيجابي تجاه كل ما تقدمه له بلاده ليغتنمه بما يعزز صحته وعقله ومهاراته ليكون شريكا فاعلا في تنمية الوطن لكي يفخر بهمته وعطائه وإنجازاته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي