المهارة عليها كلام
أكد وزير الصحة أن حريق مستشفى جازان لم يكن ليحدث لو صمم وفق معايير السلامة المطلوبة. طيب لماذا لم يصمم وفق هذه المعايير؟ هناك أكثر من احتمال، وأحدها أن المصمم لا يعرف هذه المعايير جيدا.
نعاني تدني مهارات الممارسين المهنيين سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص. كم نشتكي من سرعة تلف ممتلكاتنا من بيوت وسيارات وأجهزة، ونرجع إلى أن أحد أسباب سرعة التلف أو قصر عمر ممتلكاتنا نرجعه إلى قلة مهارة اليد العاملة التي نعتمد عليها في الإنشاء والتصليح.
حين تذهب إلى مستوصف أو مستشفى لتلقي العلاج، وحين تزور ناديا صحيا بغرض تحسين لياقتك، وحين تتعاقد مع مكتب هندسي لعمل مخططات وتصاميم لأمر ما، وحين يتولى فني إصلاح سيارتك أو حاسبك أو آلتك، ...إلخ، في كل هذه الأحوال أنى لك الاطمئنان إلى مهارة من يقدم لك خدمة مهنية؟
هناك علاقة طردية قوية بين قدرات الموارد البشرية والنمو والازدهار الاقتصادي. اليد العاملة هي أحد عناصر الإنتاج، وكلما تحسنت عناصر الإنتاج انعكس ذلك على زيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج تعني مزيد ازدهار ونمو اقتصادي، أي أن ارتفاع قدرات ومهارات اليد العاملة يسهم في نمو وازدهار الاقتصاد. ومن ثم فأحد متطلبات تحقيق التحول الاقتصادي رفع المستوى المهني في البلاد. ويجب أن يفهم أن هذا لا يلغي تأثير عوامل أخرى في النمو والتحول.
في التخصصات الصحية تمت محاولة ضبط ومعايرة المستوى المهني بتكوين "الهيئة السعودية للتخصصات الصحية" وهذه المنظمة من مسؤولياتها وضع الضوابط والمعايير والترخيص لممارسة المهن الصحية وتطويرها، وتقويم العاملين على مهن صحية. وعلى الرغم من ذلك نشتكي من تدني مهارة كثير من الممارسين الصحيين.
ماذا بشأن المهن الأخرى؟
ربما باستثناء مهن محدودة، فحسب علمي أن اليد العاملة المهنية تمارس عملها دون ترخيص مهني مبني على تصنيف وتقويم. يصلح تطبيق المثل "أحشفا وسوء كيلة": جمع بين رداءة وارتفاع تكلفة. المستوى المهني للمهنيين وبصفة عامة غير خاضع لمعايير جودة تتلاءم مع التطلعات، وقد يضاف إلى ذلك استغفال وتضليل من بعض الممارسين.
السؤال الجوهري هنا هو لماذا لا يكون هناك تصنيف واختبارات ترخيص جيدة لمزاولة المهنة في كافة المهن؟ تطبيق هذه السياسة سيصيب أكثر من عصفور بحجر واحد: الحد من الاستقدام، والتأكد من مهارة اليد العاملة، وتقليل تكلفة التعرف على مهارتها، ورفع المستوى المهني لليد العاملة. يجب على كل من يرغب ممارسة مهنة من المهن، سواء كانت عالية أو منخفضة المهارة تتطلب مؤهلات علمية أو لا تتطلب، يجب عليه (عليها) الحصول على ترخيص مهني قبل ممارسة المهنة، وهذا الترخيص لا يعطى إلا بعد الحصول على تصنيف مهني، ينبغي تطويره تطويرا جيدا. ينبغي أن يكون الترخيص لسنوات محددة، حيث يجب تجديده عند نهايتها. والترخيص المهني بدوره لا يعطى إلا بعد اجتياز تقويم (تقييم) أو تقدير معياري جاد وقوي لقدرات ومهارات طالبه. هناك حاجة إلى تطوير بنية تنظيمية هدفها الأول الاعتماد المهني، ورفع المستوى المهني في المملكة. وتبعا لذلك ربما يصار إلى إنشاء إدارات للاعتماد أو الترخيص المهني في مكاتب العمل، ومن الأنسب أيضا إشراك المناطق، بما يعطي إمارات وبلديات كل منطقة رأيا ضمن السياسات الموضوعة لممارسة المهن، وتطوير المستوى المهني، حسب ما يرى أنه الأصلح للمنطقة، أو الأصلح لبعض محافظات المنطقة، وهذا أسلوب معمول به في دول كثيرة، حيث تقل المركزية، وتعطى الحكومات المحلية صلاحيات واسعة في تسيير شؤونها. هذا وبالله التوفيق.