رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البلديات .. والتسامح مع التلوث البصري

كنا نمارس رياضة المشي فإذا بأحد الزملاء يرمي علبة الماء على جنب الطريق الأمر الذي ضايقني وأثار استغرابي في اللحظة نفسها فقلت له: لماذا فعلت هذا؟ أليس من الأفضل أن ترميها في أي برميل زبالة أمامنا؟ فقال لي: معك حق، ولكن ألا ترى مخلفات البناء التي تنتشر في المنطقة وتسد الطرق؟ هل تعتقد أن علبة الماء تشوه المنظر كما تشوهه هذه المخلفات والردميات التي تحيط بالأراضي الكبيرة والصغيرة على حد سواء؟
ورغم عدم موافقتي على إجابته، فكل مسؤول عما يفعله وعلينا أن نمارس العادات السليمة وإن كان غيرنا يمارس العادات الخاطئة حتى وإن طغت وطغى أثرها في الواقع، إلا أنني على قناعة تامة بأن المكان المتسخ لا يشجع على النظافة ويحفز الجميع على رمي المزيد من الأوساخ بخلاف المكان النظيف الذي يشجع على النظافة والمحافظة عليها ويجعل الإنسان في حرج من رمي المخلفات أيا كان نوعها.
أحد الأصدقاء قال لي إنه عادة ما يدخل في مشكلات مع شركات تمديد الكهرباء والهواتف للمنازل، حيث تأتي بالمواد وتقوم بعمليات التمديد وتستخدم جزءا من هذه المواد وترمي الباقي مع مخلفات عمليات التمديد وتذهب دون أن تزيلها سوى أنها تدفعها باتجاه أراض فضاء فيها كثير من المخلفات السابقة، ويضيف أن المقاولين يستغربون مطالبته بترحيلها من المكان لأن المكان مليء بالردميات ومخلفات البناء.
وقبل نحو أسبوع لاحظت أن صاحب أرض في أحد أحياء الرياض بالقرب من جامعة أهلية قام بتحويطها بردميات مقرفة المنظر مشوهة للشارع الذي تقع عليه، واستغربت من ذلك إلا أنا صاحبي قال لي ألم تر أن تحويط الأرض جاء بالتزامن مع قرب تشغيل الجامعة، حيث من الواضح أن صاحبها لا يريد لها أن تكون مواقف لسيارات الطلاب وقد يريد المساومة عليها لتكون مواقف رسمية، وعلى حال هذا لا يهم، وما يهم كيف سمحت له البلدية برمي هذه المخلفات بهذه الصورة المقززة والملوثة للبيئة بصريا؟ ألا توجد بدائل أفضل لتحويط الأراضي المتوسطة والكبيرة؟
في هذا الحي هناك أيضا أرض كبيرة محاطة بالردميات من الحجر الكبير ومن مخلفات البناء وبارتفاعات تحجب الرؤية عند التقاطعات وسببت كثيرا من الحوادث المرورية، ولم تتحرك البلدية لمعالجة مشكلة حجب الرؤية على الأقل إن لم تكن قادرة على إلزام صاحب الأرض برفع الردميات والمخلفات واستبدالها بوسائل تراعي الذوق العام لتحديد الأرض وحمايتها من التعديات.
التعديات على الأراضي البيضاء ورمي المخلفات فيها بشكل كبير من قبل أصحاب "القلابات" من التعديات المزمنة وهي تعديات دفعت كثيرا من ملاك الأرض للتعدي على الذوق العام وعدم احترام حق المواطنين بعدم التعدي على البيئة بصريا حيث استبقوا أصحاب القلابات بتحويط أراضيهم بردميات على حدود أراضيهم الأربعة لحمايتها لكي لا تكون مكب نفايات كما هو واقع كثير من الأراضي التي تركها أصحابها لحماية البلديات.
غفلة أو تغافل البلديات وعدم تفعيل النظام الخاص بعدم رمي النفايات وضرورة تنظيف المنطقة من مخلفات البناء بالنسبة لأصحاب المساكن الجديدة أو المساكن المرممة وكثرة الإشغالات العامة في الطرقات وفوق الأرصفة والمخلفات التي يتركها المقاولون للغفلة ذاتها أو التغافل جعل الناس تتعايش مع التلوث البصري وهو أمر خطر كالتلوث البيئي حيث يعتاده الإنسان حتى يصبح جزءا من واقعه ولا يراه مخالفا للذوق العام لافتقار البيئة العمرانية للقيم الجمالية والهدوء والتجانس وافتقاره إلى العوامل التي تبعث على الهدوء والراحة.
التلوث البصري مصطلح يطلق على العناصر البصرية غير الجذابة أو أي منظر مشوه تقع عليه عين الإنسان ويمكن وصفه بأنه نوع من أنواع انعدام التذوق الفني، أو اختفاء الصورة الجمالية لكل شيء يحيط بنا من أبنية إلى طرقات أو أرصفة وغيرها، ومن أمثلة المناظر المسببة للتلوث البصري اللوحات السيئة، والقمامة، وبعض الجدران، والمباني غير المدروسة، والعمارة غير المنظمة، والعلامات والأعشاب والإعلانات العشوائية، وبكل تأكيد مخلفات البناء والردميات من الصخور والرمال المنقولة لتحديد أو لتسوير الأراضي البيضاء.
وكما يبدو لي أن البلديات متهاونة حيال كل ذلك حتى ألفنا الملوثات البصرية وتهاوت ذائقتنا إلى درجات دنيا حتى بتنا لا نرى في هذه الملوثات البصرية أي بأس إلا إذا تسببت في حجب الرؤية والحوادث المرورية، ولا شك أن هذه الألفة دفعت كثيرا من الناس للسلوكيات الخاطئة باعتبارها سلوكيات سليمة كما فعل صاحبي الذي رمى علبة الماء كسلوك لا غبار عليه.
وأتساءل هنا: هل تنفع أي حملة توعوية بالنظافة تطلقها أي بلدية وهي متهاونة في أسباب التلوث البصري وإضعاف الذوق العام؟ بكل تأكيد لن تنفع وإن كان لها تأثير لحظي لأن الواقع يدفع إلى غير ذلك، والواقع يقول إن ما ترميه من أوساخ وقمامة لا يوازي ما تقوم به البلدية من قرارات رادعة تجاه فاعليه في وضح النهار، والأمر لا يحتاج إلى دليل فمن أحاط أرضه بردميات مقرفة يمكن الاستدلال عليه بسهولة ومخالفته، ومن ترك مخلفات البناء أمام منزله في الأرض الفضاء التي أمامه يمكن الاستدلال عليه بسهولة. فلماذا هذا التهاون الذي شجع الجميع على مزيد من مخالفة أنظمة النظافة؟
ختاما أتطلع إلى أن تطلق وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتعاون مع كافة الأمانات والبلديات حملة نظافة شاملة لإزالة جميع أسباب التلوث البصري بتطبيق النظام بصرامة ودون تهاون، وعلى رأس تلك الأسباب التي تجب إزالتها الردميات ومخلفات البناء التي تلوث جميع الأحياء وتحفز الناس لرمي مزيد من المخلفات دون خوف من نظام أو مراعاة لذوقٍ عام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي