عن إيران وحرائقها
الموقف الإيراني من الحكم على نمر النمر ضمن 47 إرهابيا سعوديا، وممارسات إعلامها الرسمي بتصويره كقضية طائفية جعل كل متشكك في الاختراق الإيراني لبعض الشيعة يميل إلى التأكد من ذلك قطعا. إصدار الحكم شأن سيادي سعودي دون استثناء. إيران التي احتجت بصخب واعتداء مشين على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد التي تقدم خدماتها لمواطني السعودية الشيعة، هي إيران التي أعدمت على المقصلة والرافعات وبهدوء معارضين من شيوخ الدين الشيعة من الإيرانيين.
إذن فهذه العلاقة التي اجتهدت إيران في إثباتها ولم تتوار هي ما يسعد إيران حقا. كما لو كانت فتاة عابثة ضُبطت مع رجل شهير وأسعدها انتشار الخبر للوجاهة. النظام الإيراني يستميت في توظيف الإعلام ليس لدعم عملائه فقط كما يبدو، بل لتعزيز فكرة علاقته بكل الشيعة العرب. يعنيه صناعة الخوف وإحداث الثقوب. يعنيه توريط كل الشيعة في بلدانهم وتمثيل الأمر لهم كأمر واقع مسلم به ولا مفر. ومن ثم يراقب هذه الثغرة ويستثمرها سياسيا وبشكل استفزازي كيدي للسعودية وغيرها. وفيما تنتفض إيران وحسن نصر الله معا في شأن حدث محلي، يشهد العالم جريمة إنسانية بشعة كتجويع مضايا السورية حد الموت، تحت حصار الأسد وحزب الله. تجويع مضايا وغيرها لا يفضح فقط أخلاقيات هذه الحرب الوضيعة بل يفضح المشروع السياسي للإبادة، حيث مئات الآلاف قضوا من شعب سورية بين قصف وحصار.
التاريخ يخبرنا أن إيران لطالما استخدمت الشيعة العرب كأدوات لتصفية حسابات. ولطالما احتضنت معارضين وإرهابيين تتخلص منهم مع انتهاء ورقتهم. الأحداث الجارية ولا شك تثبت تعاظم إشكالية الدولة الطائفية الإيرانية. تذهب إيران بعيدا بنزقها السياسي كأعشاب متحركة ضارة، بما يكفي لإقناع العالم بأنها لم تصل إلى مرحلة الدولة الحقيقية بعد والحكم الرشيد. والصراع الذي تمارسه إيران لا يحدث بالتدخل العسكري المباشر، فباستثناء الحرب العراقية الإيرانية، لم تدخل إيران في مواجهة عسكرية مباشرة مع أي قوة خارجية. بل استخدمت اختراقاتها وأذرعها لتحقيق أهدافها. حاربت وواجهت خارجيا بدماء الشيعة العرب ومن قوميات أخرى في كل من العراق ولبنان وسورية وأمام داعش. حتى مواجهتها للسعودية في اليمن كانت من خلال الحوثيين. وما يقال عن الدعم المالي لحلفائها كالأسد فيأتي غالبا من أموال النفط العراقية. المثير أيضا، أنها لطالما فتحت قنوات مع الجماعات السنية المسلحة، من بين ذلك قيادات تنظيم القاعدة الذين استقبلتهم على أراضيها.
مشروع ولاية الفقيه مشروع سياسي استغلالي نفعي. ومخطط إيران التوسعي براجماتي قومي يسعى إلى إغراق المنطقة في الفوضى. ما يعني إيران هو مصالحها وهي مستعدة أن تكف عن لعب دورها كحامية للشيعة إذا تطلبت مصالحها ذلك. هي التي دعمت بالمال والسلاح أرمينيا المسيحية في وجه أذربيجان الشيعية؛ ثاني دولة شيعية بعد إيران، في نزاعهما على إقليم ناغورنو كاراباخ في تسعينيات القرن الماضي. في المقابل دعمت تركيا أذربيجان. المذهب لم يكن عاملا فاعلا يمكّن إيران من فرش الطريق لأذربيجان، ولا سيما أن نسبة كبيرة من الشعب الإيراني ينحدر من أصول أذرية، إضافة إلى اشتراك الدولتين في بحر قزوين الغني بالنفط والغاز. أذربيجان كانت عصية على إيران لأنها دولة مدنية. في النهاية، ما يحدث هو صراع جيوبوليتيكي بإطار قومي مغطى بصلصة طائفية لاذعة لتبدو أشهى.