رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستقرار يستدعي الانتماء للوطن أولا

ماذا يعني الوطن؟! "الوطن" هو الأرض، والبيئة الطبيعية، والناس، والتراث، والقيم، والعادات، والتاريخ، والنظم السياسية، والموارد الاقتصادية، على حين أن "المواطنة" هي العلاقة أو الانتماء القانوني لوطن معين بمفهومه الشامل للحقوق والواجبات، ولا معنى للوطن ولا فائدة من المواطنة إذا لم يكن هناك شعور "بالوطنية" ينبع من الانتماء القوي، والولاء المخلص للوطن وقيادته لدرجة التضحية في سبيله والاستعداد للدفاع عنه. والفرق بين مفهومي المواطنة، والوطنية يكمن في أن الأول يعني وضع أو انتماء قانوني يكتسبه الإنسان بحكم جنسيته أو ولادته، والثاني شعور تجاه الوطن يؤثر - سلبا أو إيجابا - في سلوك الأفراد وعلاقتهم بأوطانهم. وببساطة شديدة، الوطن هو المسكن الكبير الذي يستقر فيه الإنسان ويشعر بإنسانيته، وكرامته، وراحته النفسية. ولا يشعر بقيمة "الوطن" الحقيقية إلا من يفقد وطنه، أو يقع تحت ضغط فقدانه. ومن المؤلم أن بعض الدول العربية تتفكك، وتعاني الدمار بسبب ضعف الانتماء الوطني أو أسباب أخرى كالانتماء لكيانات، أو مرجعيات دينية خارج الوطن، يبدو في ظاهرها التدين، وفي باطنها الأطماع السياسية التوسعية. استغرب كثيرا لماذا لا يستلهم الإنسان العبرة ويستفيد من معاناة الآخرين، خاصة المسيحيين، فاحترام الكاثوليك للبابا في الفاتيكان لم يؤثر على انتمائهم لأوطانهم، ولم يتعارض مع المصالح العليا لأوطانهم! فالبرازيلي الكاثوليكي – على سبيل المثال - يُقدس البابا، ولكنه لا يساوم على وطنه ومصالحه العليا، أو يتآمر مع دول خارجية لإحداث خلل في أمنه واستقراره! والمعروف أن المسيحية تنقسم إلى مئات المذاهب، والطوائف والكنائس، فالأقسام الرئيسة هي: الكاثوليك، والبروتستانت، والأرثودكس، ولكن كل من هذه الأقسام الرئيسة يتفرع إلى طوائف (أو كنائس) متعددة. فعلى سبيل المثال، تتفرع الكنيسة الكاثولوكية إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والكنيسة الأوكرانية الكاثوليكية، وكنيسة السريان، والكنيسة المارونية، وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، والكنيسة الرومانية الكاثوليكية المتحدة، والكنيسة الروثينية الكاثوليكية، وكنيسة الأرمن الكاثوليك، والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وكنيسة الملنكار الكاثوليك، والكنيسة الهنغارية اليونانية الكاثوليكية، والكنيسة السلوفاكية اليونانية الكاثوليكية، والكنيسة القبطية وغيرها. ومن جهة أخرى تنقسم الكنيسة البروتستانتية إلى عشرات المذاهب والطوائف ومنها: الكنيسة الأنجليكانية، واللوثرية، والكنيسة المعمدانية، والكالفينية، والميثودية، وغيرها.ولم تكن المسيحية بعيدة عن العنف الديني الذي حصل خلال القرون الماضية، فقد حدث بين الطوائف المسيحية في أوروبا تنافس شديد على مناطق النفوذ، وحروب دامية بلغ ضحاياها الملايين، ومن أقرب الحروب للذهن "حرب الثلاثين عاما" التي حدثت في أوروبا خلال الفترة (1648-1618). وتوضح وحشية هذه الحروب الدينية حجم الخسائر البشرية، فقد فقدت ألمانيا لوحدها ستة ملايين ونصف مليون مواطن، كما فقدت بعض البلدان الأخرى في أوروبا ثلث سكانها. بعد هذه الحروب الوحشية، وتهجير السكان؛ تبعا لمعتقداتهم الدينية، فقد وصل الأوروبيون إلى قناعة بضرورة التعايش السلمي، بل أسسوا "الاتحاد الأوروبي"، ونسوا أو تناسوا الخلافات والصراعات المذهبية القديمة. فهل يتعلم الإنسان منهم العبرة ويستفيد من تاريخهم الطويل، ومن ثم يسهم في حقن دماء المسلمين، وإيقاف تهجير الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، ومن ثم يحافظ على وطنه من التدمير والتفكك؟
هل من المعقول، أن تكون عبادة الخالق والتقرب إليه بهذه الصورة التي تؤدي إلى إثارة الفتن بين المسلمين وإشعال نار الإرهاب والعنف والقتل والظلم؟! لا شك أنه الفهم الخاطئ للدين ولا شيء سواه. والأسئلة الكبيرة التي تُطرح في كل وقت دون محاولة الوصول لحلول عملية، هي: إلى متى سيستوعب دعاة الفرقة بين المسلمين أن العداء لن يحقق أحلام أي طرف، ولن يُسهم في حل الخلاف التاريخي فيما بين الشيعة والسنة؟ وأهم من ذلك أن أي من هذين الطرفين لن يختفي أو ينقرض أو يُقضى عليه! ولا يقل عن ذلك أهمية أن العيش في دولة ما والانتماء لمرجعيات دينية في دولة أخرى، لن يحقق لأي فئة طموحات أفرادها، ولن يُسهم في تحسين أوضاعهم أو استقرار أوطانهم!
بناء عليه، لا بد من الحوار ونبذ الخلافات التاريخية التي ليست من الدين (القرآن والسنة) في شيء، وينبغي التركيز على نقاط التلاقي، وإهمال نقاط الاختلاف أو التخلص منها دون خلاف، وإذا كان ذلك صعب المنال، فالتعايش السلمي والاحترام المتبادل مطلب ضروري مع البعد عن "تسييس" الدين واستغلاله لأطماع سياسية. وبالتأكيد فإن لإيران دورا كبيرا في إثارة الطائفية بين شعوب المنطقة، وساندتها الولايات المتحدة الأمريكية – بقصد أو بدون قصد - في إثارة الفتنة بين مكونات الشعب العراقي خصوصا، وشعوب المنطقة العربية عموما، خاصة بعد أن عجزت عن السيطرة على الاضطرابات خلال فترة احتلالها للعراق. ختاما يقابل النهج الإيراني المثير للعنف والفتنة، دعوة حكام المناطق العربية، خاصة في منطقة الخليج العربي، بالعدل والمساواة بين مكونات هذه المجتمعات، وليس أبلغ من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان التي يؤكد فيها (بالنص) أن "كل مواطن في بلادنا، وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي