رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الأغنياء والتلوث البصري

يعد في تقديري من (التلوث البصري) استعراض الأغنياء لسفراتهم ومشترياتهم ومقتنياتهم ومستوى الرفاهية التي يعيشون تفاصيلها، فهو استعراض ممجوج للثراء، ومباهاة بغيضة، تقيض على الفقير صبره، سيئ جدا أن تكون الثروة عند سفيه، لأنه يخسرها غالبا، ويخسر نفسه بها ومن خلالها دائما، وغالبا يؤذي الناس من حوله بالتعالي عليهم، ويحتقر الفقراء منهم، وربما لهذا السبب قال الله في كتابه الخالد: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) حتى أن التشريع الإسلامي أصل لقاعدة نزع الولاية عن السفيه على ماله بحيث يكون عليه ولي راشد يحفظ المال، ويصون كرامة السفيه من مهانة الابتذال الرخيص بماله، وعرض مقتنياته في الأماكن العامة، ليثير إعجاب الناس به، وافتتانهم بها وبحجم ثروته، وإنفاقها فيما لا ينبغي الإنفاق فيه.
هذا هو ذاته الفعل اليومي لعدد كبير من الناس ومن (ورثة التركات) الذين يأتون للدنيا فيقدر الله لهم ثروة هائلة كتبها الله لهم دون طلب ولا تعب، وهو ضرب من أضرب الثراء الذي لا يليق بحامله الفخر به، ولا نسبته إلى نفسه، ولا التطاول على الناس بسببه.
هذا التلوث البصري الذي يثيره المرضى نفسيا، في عرض دائم لا ينقطع ولا يحتشم صاحبه منه، ولا يستحي من أحد فيه، هو تعبير حقيقي عن حجم الهشاشة النفسية لأصحابه، ويعكس عمق الفقر للتقدير، وعدم الثقة بالنفس.
إن قلة الحشمة هذه تجعل الفقير يزدري فقره، ويقل صبر عياله عليه، وتنتهي إلى أن يحتقر المستور نعمة الله عليه، وأن يتصاغر المقل ولو كان بطبع رضي، ونفس قنوع، لأن هذه الفئة البليدة من الخلق، لم تزل تثير في النفوس الضعيفة رغبات ليس بوسعهم الوصول إليها وتوجد في عقولهم أحلاما لا يأذن لهم واقعهم بالقرب منها لأن الله بسط الرزق وقدره، وسعه على بعض خلقه وضيقه على آخرين، تقدير الولي الرحيم الحكيم واختبارا لذاك بشكر نعمته، وابتلاء لهذا بالصبر على فقره.
كان فيما يتربى عليه الرجال في عفة نفوسهم .. ألا يتطاول إذا قصر حال الناس، وكان الشريف منهم يتورع عن رائحة اللحم تبلغ جيرانه إن عجز عن إيصال بعضه إليهم وعلم أن فقرهم يقعدهم عن شرائه. كان الآباء من أولي النعمة والشرف يحرصون في الأعياد على أن يتساوى أبناؤهم مع جيرانهم .. ولكني في كل صبح أجد بعض أرباب التركات يستعرض مال أبيه في سفراته الخاصة، وتلك الفنادق الفارهة التي يسكنها، ونوع السيارات التي يقتنيها، ما يجعل عددا غير قليل من المتابعات ضعيفات العقل ورقيقات النفس، يشعرن أنهن سيئات حظ، وقليلات رزق، مما يرفع مقياس الرضا، ومتطلبات القناعة.
هذه فئة من الناس يجب تسميتها (بالتلوث) و(الوباء) الذي يثير في النفوس قلة الشكر على القليل، وتشيع عدم الرضا عما كتب الله وقدر، وتجعل طلبات النفس كبيرة بعيدة المنال .. ولكونها أنانية ونرجسية وتحب ذاتها بجنون فهي لا تبالي ولا تنظر لحجم التدمير الكبير الذي تتركه في قلوب من يتعلق بهذه الرغبات المستحيلة.
الفقراء يقوي صبرهم قلة الرغبات، وعدم تمني ما هم عاجزون عنه، وهذا سبب تحول سلوك الترف - كالسفر – إلى واجب ثم إلى ضرورة من ضرورات العيش ينفق السعوديون أربعة مليارات سنويا عليه، وتنهدم بيوت على رؤوس أهلها إن لم يتحقق، وإن لم يكن بذات المستوى الذي يشيعه المترفون في صورهم ولقطاتهم السعيدة التي تتكرر كل يوم ..
هذا التلوث البصري الذي يصدر من مرضى نفسيا، وغير ناضجين عقليا، إلا أنهم يتركون خلفهم الكثير من التردي في جعل الترف ضرورة. يغوي ضعاف العقول والنفوس بما لا يمكن مقاومته ولا رده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي