أسئلة أكاديميين حول هيكلة الجامعات

تلقيت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عديدا من التعليقات من أكاديميين. وقد فوجئت بحجم التفاعل الكبير مع قضايا التعليم الجامعي مقارنة بما أكتبه في الشأن الصحي. ولعل هذا يرجع جزئيا لقلة الأطروحات لمختلف قضايا التعليم الجامعي على الرغم من التوسع في التعليم الجامعي، حيث وصلت أعداد الجامعات الحكومية إلى 27 جامعة حكومية، بخلاف الجامعات الأهلية.
ومن الرسائل التي تلقيتها رسالة من الدكتور محمد القحطاني ذكر فيها "عديد من الجامعات الناشئة تعاني صعوبات كبيرة خصوصا على المستويات: الأكاديمي والإداري والفني والتشغيلي، فهي تحتاج إلى إعادة هيكلة لأنها في صورتها الحالية تفتقد المهنية العلمية. فعديد منها نسخ مكررة، فإعادة هيكلتها ستساعدها على تعويض النقص في كوادرها الأكاديمية والبشرية التي تحولت إلى ظاهرة لدى عديد من الجامعات الناشئة".
أما الدكتور محمد بن عبدالله الشهري فأورد تعقيبا طويلا أقتضب منه ما يلي "إن الأعمال الإدارية داخل الجامعات هي في الأساس أعمال تتطلب توافر كفاءات إدارية وليس بالضرورة كفاءات أكاديمية. لكن بحكم عملي لفترة طويلة في عديد من العمادات لدى إحدى الجامعات، فأصبح من المشاهدات، التي أرجو ألا تتحول إلى ظاهرة، إساءة صرف المبالغ المالية. فهناك عديد من المصروفات المالية تتم خارج لائحة وزارة التعليم العالي أو وزارة الخدمة المالية، أو على أقل تقدير يتم الصرف على بنود لأعمال خارجها كبند ساعات عمل إضافية وصرف التذاكر وآلية التعويضات المالية والانتدابات وخلافه". وأشار في ثنايا تعقيبه على مقال للدكتور محمد الخازم في جريدة "الجزيرة" بعنوان "الأكاديميون يحتلون الوظائف الإدارية بالجامعة" الذي ذكر فيه ظاهرة تحويل الوظائف الإدارية إلى وظائف أكاديمية كوظيفة التسجيل التي تحولت إلى عمادة للتسجيل، وكذلك شؤون الموظفين التي أصبحت عمادة لأعضاء هيئة التدريس، بل تعدى الأمر لاختراع وظائف إدارية جديدة بدأتها جامعة الملك سعود وقلدتها الجامعات الأخرى كوظيفة مساعد وكيل الجامعة أو مساعد عميد الكلية".
فالدكتوران الفاضلان ذكرا نوعين من الهيكلة المطلوبة. الأولى؛ هيكلة الجامعات فيما بينها، والثانية؛ إعادة هيكلة الهياكل التنظيمية داخل كل جامعة، وضرورة الحد من توسع تحويل الوظائف الإدارية إلى وظائف أكاديمية. فمن أهم أهداف الهيكلة الإدارية تقليص المصروفات ورفع الإنتاجية وتقليل الترهلات الإدارية.
ولعلي في مقال سابق ذكرت أن التكلفة التشغيلية لتعدد الجامعات عالية، لذا يبقى السؤال قائما: هل من الممكن تحقيق الهدف من التوسع في إنشاء الجامعات في المناطق الطرفية ــ بتوفير التعليم الجامعي لجميع مناطق المملكة مع تقليل أعدادها؟ فلم يعد سرا أن بعض الجامعات الناشئة تعاني ضعف جودة برامجها ومخرجاتها وضعفا في الكوادر الإدارية والأكاديمية المؤهلة. كما أن كثرة الجامعات الناشئة وتسميتها بمناطقها قد يؤثر في مدى اندماج أبناء مناطق المملكة، مما يزيد من عزلة أبناء المناطق الطرفية فكريا واجتماعيا وتربويا وثقافيا. لذا فإن دمج بعض الجامعات سيسهم في أن تستفيد من بعضها البعض وتقوي النقص الموجود فيما بينها.
ولعل المطلع على ميزانية الدولة لعام 2016 يعي أن من أهم ما تسعى ميزانية هذا العام نحو تحقيقه، دعم كفاءة الأداء للأجهزة الحكومية، لذا فإن إعادة هيكلة الجامعات أصبحت ضرورة لأنها ستسهم في تقليل تكلفة الجامعات كما ستسهم في رفع كفاءتها. وإن مفهوم كفاءة الأداء يعني تحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف، سواء كانت تكاليف مالية أو بشرية أو تشغيلية أو غيرها. ولعل دمج الجامعات أول طرق تحقيق هذه الغاية.
فالتكلفة التشغيلية والإدارية عالية لبعض الجامعات الطرفية، هذا بخلاف ما تعانيه من ضعف في مواردها البشرية والأكاديمية والتجهيزية والفنية والتقنية وغيرها. فمثلا معظم الجامعات لديها وظائف أكاديمية وإدارية مرتبطة بالعمادات المساندة كعمادة البحث العلمي وعمادة الجودة وأعضاء هيئة التدريس والقبول والتسجيل وتقنية المعلومات وعمادة الدراسات العليا والتعليم الإلكتروني وغيرها، وما يتبع هذه العمادات والوكالات من وظائف إدارية متعددة جدا وكثيرة من إدارة الشؤون المالية والإدارية والصيانة والحاسب والتدريب والابتعاث والممتلكات والمشتريات وغيرها كثير. فلا شك أن دمجها سيوفر عديدا من الوظائف ويقلل تكلفة تشغيل الجامعات، كما أن الدمج سيرشد الإنفاق في البرامج التقنية والحاسوبية والبنى التحتية. فدمج بعض الجامعات سيحقق وفرة عالية جدا في الميزانيات المخصصة للجامعات.
وإعادة هيكلة الجامعات الناشئة لها أبعاد غير مالية أو أكاديمية تتعلق بتقليل عزلة بعض هذه الجامعات الفكرية. فكما سبق ذكرت أن تسمية الجامعات الناشئة بمناطقها قد يزيد من عزل المناطق الطرفية، وقد يؤثر في مدى اندماج أبناء مناطق المملكة، كما قد يكون عائقا نحو تحقيق استقلالية الجامعات مستقبلا. فكل جامعة تتبع جامعة طرفية سيكون لها تمثيل أكاديمي وعلمي وفقا للشللية المناطقية بدلا من القيام بأدوار الجامعات التنموية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي