أهمية التخصيص .. وإعادة الهيكلة
عادت موازنة الدولة لتحظى بالاهتمام كما كانت في التسعينيات الهجرية حينما كانت الصحف تنشر عنها قبل صدورها وتتوقع أرقامها، وقد عوقبت بعض الصحف بسبب هذه التوقعات .. ويختلف الاهتمام هذا العام نظرا لأهمية مكونات الموازنة وما صاحبها من تحليلات من قبل المختصين .. ولن أتطرق إلى أرقام الموازنة حيث سبقني الزملاء أصحاب الزوايا اليومية لكنني فقط سأركز على جانبين كانا ضمن أهم مكونات برنامج التحول الوطني الذي صاحب صدور الموازنة وهما التخصيص وإعادة الهيكلة.
ففي الحديث عن التخصيص يمكن القول إنه بدأ قبل ما يقارب عقدين حيث خُصصت شركة الاتصالات السعودية، وتلك كانت نقلة نوعية تطور على أثرها قطاع الاتصالات بعد دخوله في مجال المنافسة المحمودة التي تؤدي إلى تحسين الخدمة مع بقاء الأسعار في نطاق معقول .. وتوقع الجميع أن تستمر عجلة التخصيص في الدوران لتشمل شركات ومؤسسات أخرى مثل سكة الحديد وصوامع الغلال والخطوط السعودية، لكنها توقفت دون معرفة الأسباب وكان آخر من تولى هذه المهمة المجلس الاقتصادي الأعلى الذي لم يكن التخصيص على جدول اهتماماته الأولى .. واليوم وقد وجد مجلس الشؤون الاقتصادية الذي يعمل بوتيرة أسرع فإن المؤمل أن تتحرك عجلة التخصيص من جديد لتشمل بقية المؤسسات كي تدار وتعمل بفاعلية وكفاءة أكبر وعلى رأسها الخطوط السعودية التي نحتاج إلى تطويرها بسرعة وعدم قبول أي مبررات للتأخير لتواكب الحراك الاقتصادي والسياحي فرجل الأعمال تتعطل أعماله لأنه لا يستطيع السفر والعودة في اليوم نفسه بين المدن الرئيسة .. كما أن الأسرة التي ترغب في قضاء الصيف في أبها قد تضطر إلى توزيع أفرادها إن كان العدد كبيرا على أكثر من رحلة وفي ذلك مشقة وعناء ومعوق للسياحة الداخلية .. ومعروف أن التخصيص في بلاد عديدة قد نجح في تحسين الأداء وتوفير فرص عمل للمؤهلين المشهود لهم بالمهنية والإنتاجية بعد تخلص الأجهزة التي يتم تخصيصها من ذوي الأداء المتدني الذين كان مبرر بقائهم في وظائفهم أنه جهاز حكومي فيه من الأمان الوظيفي والترقيات المجدولة ما يجعلهم يبقون في تلك الوظائف حتى آخر يوم قبل التقاعد وربما يمدد لهم في الخدمة .. والمؤمل في ظل الحراك الإيجابي الذي أعلن عنه مع الموازنة ومع برنامج التحول الوطني أن يصدر جدول زمني محدد للتخصيص تفاديا للتوقف الذي حصل من قبل.
وأخيرا: يبقى الحديث عن إعادة الهيكلة حيث يمكن القول إن تجارب عديد من الدول أثبتت أنه في كل عقدين أو ثلاثة يفضل إعادة هيكلة أجهزة الدولة أو الشركة أو المصنع حسب المتغيرات لزيادة كفاءة إنتاجها .. ولعل البدء يكون بدراسة وضع الوزارات التي تضم قطاعين مختلفين يستحق كل منهما وزارة مستقلة وقد يكون في فصلهما إعطاء كل قطاع ما يستحقه من الاهتمام .. وفي تجربة فصل الشؤون الاجتماعية عن العمل ووزارة المياه عن الزراعة خير مثال على أن الفصل قد يحسن الأداء ولن تكون تكاليفه عالية نظرا لتوافر العدد الكافي من الموظفين الذين يمكن اختيار الأكفاء منهم في كل قطاع لضمان إحداث التغيير الإيجابي المطلوب.