رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رفع أسعار منتجات الطاقة أم خفضها؟

خُفِّضت قبل عشر سنوات أسعار عدد من أنواع الوقود في المملكة، وتمت أخيرا إعادة رفع الأسعار إلى مستوياتها السابقة. فهل من الأفضل خفض الأسعار أم رفعها؟ وهل مستويات أسعار الوقود مرتفعة في المملكة سواء قبل أو بعد خفض الأسعار؟ وتتوقف إجابة السؤال الأول على اهتمام المتسائل، فتدني أسعار الوقود يدعم المستهلك، ورفع الأسعار إلى المستويات العالمية يدعم الاقتصاد ككل. أما الإجابة عن السؤال الثاني فليس من الصعب التأكيد أن أسعار منتجات الطاقة في المملكة منخفضة سواء قبل الزيادة أو بعدها، بل هي منخفضة جدا مقارنة بمعظم دول العالم. وتنخفض أسعار منتجات الطاقة خصوصا البنزين في عدد محدود من البلدان، مثل فنزويلا والجزائر وبعض دول الخليج ومنتجي النفط من الدول النامية. وتذكر بعض المصادر أن أسعار البنزين في فنزويلا - وهي الأرخص في العالم - تنخفض إلى نحو سنتين للتر حاليا. ولم يضمن انخفاض أسعار البنزين في بعض الدول مثل فنزويلا أو ليبيا أو الجزائر تحقيق رفاهية جيدة للسكان أو معدلات نمو اقتصادي جيد. كما لم يمنع ارتفاع أسعار البنزين ومنتجات الطاقة الأخرى دولا كثيرة من تحقيق نمو اقتصادي جيد وتوفير رفاهية عالية للسكان. وترتفع أسعار البنزين إلى سبعة وثمانية أضعاف أسعار المملكة في النرويج وهولندا والدنمارك وهونج كونج، ومع هذا تعتبر مستويات المعيشة عالية في هذه البلدان. من جهةٍ أخرى تتوافر في هذه الدول وسائل نقل عام جيدة ومعقولة التكلفة.
إن انخفاض أسعار منتجات الطاقة للمستهلك النهائي يصب في مصلحته، حيث يرفع دخله الحقيقي، كما يصب في مصلحة منتجي السلع والخدمات رافعا أرباحهم ومقويا قدراتهم التنافسية محليا وخارجيا. كما يساعد تثبيت وخفض أسعار منتجات الطاقة على التصدي للتضخم، لكونها من السلع الأساسية لجميع الأسر والقطاعات. وتبنت دول كثيرة في الماضي برامج دعم أسعار منتجات الطاقة الأحفورية، ولكن معظم هذه الدول تخلت عن برامج الدعم أو قلصتها كثيرا بعد ارتفاع أعبائها على المالية العامة والتجارة الخارجية، والتأثيرات البيئية السيئة لاستهلاكها. وتمارس مجموعات الضغط دورا قويا في الدفاع عن برامج دعم وخفض أسعار منتجات الطاقة. وتستخدم هذه المجموعات قضية التأثيرات السلبية لرفع أسعار منتجات الطاقة على الشرائح السكانية الفقيرة وقليلة الدخل، حيث يقود ارتفاع أسعارها إلى رفع تكلفتها على الفقراء وهو ما يخفض دخولهم الفعلية. وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن استفادة الشرائح السكانية الغنية والأعلى دخلا من دعم منتجات الطاقة أكبر من استفادة منخفضي الدخل، ولهذا تبنت وطبقت معظم دول العالم برامج إصلاح أسعار منتجات الطاقة. وحرصت معظم هذه الدول على خفض تأثيرات رفع أسعار منتجات الطاقة على الشرائح السكانية محدودة الدخل، سواء من خلال خفض أسعار منتجات أو كميات الطاقة التي يستهلكها الفقراء أو من خلال تبني برامج تحويلات نقدية للأسر قليلة الدخل.
وتعتبر أسعار منتجات الطاقة في المملكة من أقل المستويات العالمية، وقد ساعدت هذه الأسعار على خفض تكاليف هذه المنتجات على الأسر والأعمال مما رفع رفاهية الأسر وأرباح المؤسسات الإنتاجية، وأسهم في خفض أسعار المنتجات السلعية والخدمية، وخفض معدلات التضخم. من جهةٍ أخرى شجعت الأسعار المنخفضة النمو السريع في استهلاك منتجات الطاقة حتى صارت المملكة تستهلك ثلث إنتاجها من الطاقة تقريبا، حيث ازدادت معدلات هدر الطاقة، كما نمت الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة. وسيقود الاستمرار في خفض أسعار منتجات الطاقة إلى صعوبة تنمية مصادر الطاقة البديلة وتسارع استهلاك النفط والغاز في المملكة، الأمر الذي سيولد آثارا سلبية قوية في إيرادات الدولة وفي الصادرات، كما نتج عن نمو استهلاك منتجات الطاقة ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة ومستويات التلوث المحلي. ولهذا فإن رفع أسعار منتجات الطاقة المنخفضة جدا أمر لا مناص منه للحفاظ على مستويات صادرات وإيرادات حكومية كافية لرفاهية سكان هذه البلاد، والحد من تلوث البيئة، وتنمية مصادر الطاقة البديلة. وقد رُفعت أسعار منتجات الطاقة أخيرا، ولكنها ما زالت منخفضة ومدعومة بدرجة كبيرة، حيث تبلغ أسعار البنزين الحالية 20 سنتا للتر، بينما يبلغ متوسط سعره العالمي دولار أمريكي واحد للتر. ويصل متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى نحو نصف دولار للتر في الوقت الحالي، بسبب تراجع أسعار النفط. وتفرض الولايات المتحدة ضرائب منخفضة على البنزين مقارنة بالدول الأخرى، ولهذا فإن أسعارها هي الأقرب للأسعار العالمية الحرة. ويسري التحليل نفسه على منتجات الطاقة الأخرى، حيث تتدنى مثلا أسعار الديزل في المملكة بشكل أكبر مقارنة بالدول الأخرى.
ومن المتوقع أن تنخفض مستويات دعم منتجات الطاقة في المملكة خلال السنوات المقبلة، وهذا سيحد من النمو السريع في استهلاك الطاقة ما سيدعم المالية العامة، والقطاع الخارجي، والحفاظ على ثروات المملكة للأجيال القادمة، ويساعد على حماية البيئة. ولرفع الأسعار آثار جانبية مؤثرة في الأسر منخفضة الدخل والفقيرة كمستفيدي الضمان الاجتماعي أو أصحاب الدخول الثابتة، ولهذا لا بد من دراسة تأثير زيادة الأسعار في هذه الأسر وتوفير الدعم الكافي للأسر المستحقة لمنع إلحاق الضرر بها، خصوصا أن هناك توجها لمواصلة إصلاح أسعار منتجات الطاقة خلال السنوات المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي