رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


خيبة الرجاء فينا

في نهاية سنة وقدوم سنة جديدة، أتوقف عند حديث لم أجد أحدا توقف عنده, ولم أجد من أحصاه على نفسه، ولا من ندم على ما فات منه، فرجع إليه يبتغي إقامة ما انهدم، وإصلاح ما فسد قبل تمام العمر وحلول الأجل، دائما نحفر على الصخر ظلم الناس لنا، ونكتب على الماء ضحايانا، في كل كتب السيرة الذاتية التي اطلعت عليها في 20 عاما، التي كتبت بلغات مختلفة من سياسيين ومفكرين وفلاسفة، في أزمنة متباعدة من العالم كله، لم أجد فيها فصلا عن المظلومين الذين وقع عليهم ظلم كاتب السيرة، ولا حديثا عجولا قصيرا عن حزنه على إنسان لخيبة رجاء قلبه فيه، وخذلان الثقة منه والتخلي عنه في لحظات العوز والفقر والحاجة.
إننا لا نرغب أن نتذكر, وربما لا نشعر، وربما لا ندرك, وربما نتعمد ألا نتوقف عند قلب أخلص إلينا بتمام قلبه فعبرناه لأنه لا يحمل في يديه منفعة، ولا يملك غنيمة، عبرنا دائما مشاعر صادقة الحب لنا لأننا ظننا أن خلف قربهم طلبا معلقا، أو رجاء قريبا في عطية.
على حافة سنة انقضت، نبصر في اللحظة الأخيرة منها كل الخيبات التي تركناها في نفوس من حولنا، الثقة الموءودة، والأمل الكبير في أشخاصنا الذي ارتد على حامله خائبا وهو حسير، الذين أصدقونا ولم نصدقهم، والذين كنا لهم المرفأ الأخير فتباعدنا حتى أغرقهم اليأس، ومرارة خيبة المسعى، وانقطاع الرجاء.
في لحظة المفارقة الأخيرة، حين ذاك يحضر النفس ضحاياها والذين وقع عليها ظلمنا، وإهمالنا، وجحودنا، وقلة شكرنا، والذين أوجعهم بعدنا ولم نرحمهم، والذين تجافينا عوزهم ونحن قادرون، وأسرعنا عن فقرهم ونحن مترفون، كانوا فقراء لنا في كل شيء، في عواطفهم، وفي مشاعرهم، وفي كفاية الملح من مؤنتهم، ولو بقليل ملح ينثر على خبز فقرهم.
في نهاية سنة دعونا نعد لكل من لا يستحق بعدنا عنه، إن الأيام لا تكرر نفسها مرتين، وإن العمر أوله قوة جاهلة، وآخره حكمة ضعيفة وعاجزة، دعونا نعود لمن حمل أطهر النوايا، وأطهر المشاعر، وأصدق الحب، لنحدب عليه حنان الحدقة على العين، إن صدق القلوب في الزمان شحيح، وإن سبر العمر في منتهاه وخواتيم ساعاته يرتد بوحشة حضور المظلومين، ونحن في رجفة الضعف الأخير والعجز الغالب، وأمنية مستحيلة بفرصة تدارك، وعودة كتب الله ألا تكون ولا تتم.
دعونا نعود لمن وقع عليهم ظلمنا، أن نبحث عنهم، نعود لطلب المغفرة والصفح، ولو بمقدار نكران المعروف، وجحود الإحسان، والتعالي على ولي الفضل والنعمة.
كنت أتمنى أن أجد هذا الاهتمام اليقظ لمن مني بخيبة الرجاء فينا، لأننا لم نكن بجمال حسن ظنه، ولا بطهر قلبه، ولا برفعة حبه لنا، في نهاية عام وبداية عام جديد، ربما نسعى لنلتقط لحظات الفرح وننثرها على قلوب مسها منا رهق وحزن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي