رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


درهم الوقاية .. كارثة مستشفى جازان

الكل في مجتمعنا تفاعل مع الوجع الذي أصاب أهلنا في جازان جراء الحريق الذي حدث في المستشفى العام وراح ضحيته العشرات، إضافة للإصابات لأكثر من مائة حالة، ما يزيد من نسبة الوفيات. وكثرت الكتابات بشأن الفاجعة ومن تسبب فيها ومن المسؤول الذي يجب أن تطوله المساءلة. ومما استوقفني كثيرا تصريح وزير الصحة بأنه المسؤول الأول الذي يجب أن تطوله المساءلة لأنه المسؤول الأكبر عن قطاع الصحة. هذا الموقف من الوزير يمثل ثقافة جديدة يفترض أن يتحلى بها كل مسؤول كبر أم صغر، فالشعور بالمسؤولية وإعلان ذلك على الملأ خطوة أساسية للتحرك للأمام بدلا من رمي المسؤولية على كبش فداء قد يكون بريئا براءة الذئب من دم يوسف، كما يحدث في بعض الأحيان.
الدفاع المدني في المنطقة سبق أن حذر من وضع المستشفى المزري ونبه إلى أن إجراءات السلامة لا تتوافر فيه، حتى أن مما ذكر أن أجهزة السلامة لا تعمل، أي معطلة، ووضع كهذا لا يعفي الوزارة، فلماذا لم تتدبر الوزارة أمر المستشفى وتوفر الاحتياجات اللازمة التي تمنع الكارثة، سواء في إجراء الصيانة، أو إيجاد منشأة جديدة بدلا من خداع الذات وتسيير العمل بالوضع السيئ الذي ترتبت عليه الكارثة التي فجعت الوطن بكامله، كما لا يعفى الدفاع المدني، فما الذي يمنع من إغلاق المنشأة طالما أنها ليست في وضع يسمح باستمرار العمل. قد يقول قائل لا يمكن إغلاق المستشفى فما البديل لتقديم الخدمات الصحية لأبناء المنطقة؟! وهل تترك دون مستشفى فيما لو تم إغلاقه؟!
الكارثة كما نقلها الإعلام فيها ملابسات عدة يتداخل فيها الإداري والمالي والثقافي. وهذا الوضع ربما لا يقتصر على منطقة جازان بل يوجد في مناطق أخرى، مما لا يستبعد تكرار الكارثة ما لم تتحرك الجهات المعنية التنفيذية، والرقابية، والتموينية، والفنية وتقوم بتقييم دقيق لوضع المنشآت الصحية والمسارعة بتصحيح الوضع منعا لحدوث فاجعة أخرى.
الملابسات الإدارية ذات العلاقة بكارثة مستشفى جازان، ما ذكر عن إقفال مخارج الطوارئ، ما تسبب في زيادة الضحايا من قتلى، وإصابات، والسبب في الإغلاق - كما أشير إلى ذلك - لمنع هروب الموظفين، وحصر الدخول، والخروج من منفذ واحد، بهدف ضبط عملية الهروب، ولو صح هذا، فهذا أمر خطير يكشف عن أمرين أحدهما أن المتهربين من العمل ليسوا مؤهلين للعمل في القطاع الصحي، بل القطاع العام بكامله،أما الأمر الآخر فيعني وجود خلل إداري داخل المستشفى، فلماذا لا تستخدم إجراءات إدارية ضد من يتهربون من العمل، كالحسم، والإنذار، والفصل، بدلا من إغلاق منافذ الطوارئ؟ كما أن الأمر ليس مقتصرا على الممارسة، بل خلل في الثقافة التي توجه الممارسة، فهل منع المتسيبين من الهروب يتم بإجراء يترتب عليه كارثة، كالتي حدثت؟! إغلاق الأبواب وسلسلتها ليست مقتصرة على منطقة أو أخرى، أو قطاع دون آخر، فحتى في الجامعات يتم إغلاق الأبواب بالسلاسل، خاصة في الإجازات ونهايات الأسبوع، وكم استأت، وشعرت بالاشمئزاز والتقزز عندما أذهب لمكتبي في الجامعة وأرى الأبواب مسلسلة، طبعا ليس كلها، وإنما يترك واحد للدخول والخروج كما فعلوا في مستشفى جازان، ولا أدري هل هو تصرف فردي من رجل الأمن، أم أن إدارة الأمن و السلامة تطلب منهم ذلك؟ و كأن أمن منشآت الجامعة لا يتحقق إلا بهذا الأسلوب البدائي المتخلف الذي يشعر الفرد و كأنه داخل إلى مكان إقامة جبرية.
الإدارة والثقافة الإدارية التي تهيمن على مدير، أو تنتشر في قطاع من القطاعات لها دور في ما يحدث، ويتكرر من مآس يفجع بها الوطن من فترة لأخرى، و لذا لا بد من غربلة جادة تقتلع الترهل، والفساد الإداري، إضافة إلى تجديد الدماء بكفاءات إدارية يتوافر لديها الحماس، والمهارة، والأمانة، والقوة، وسعة الأفق للأخذ بكل جديد نافع ميسر للأمور.
مشكلة إغلاق منافذ الطوارئ تتكرر في أماكن عدة في المساجد، والمدارس، والأسواق التجارية، وأعتقد أن الدفاع المدني يجب عليه إجبار المنشآت على تركها مفتوحة بدلا من إغلاقها بالأقفال، أو توثيقها بالسلاسل التي تشوه المكان، إضافة إلى ما يترتب على هذه الأفعال من مصائب. ولا يقتصر الأمر على تعميم يرسل بل لا بد من إجراءات تتخذ بحق المنشأة المخالفة، وحتى يتحقق الالتزام بإجراءات السلامة يلزم القيام بجولات دورية أسبوعية من قبل إخصائيي الدفاع المدني، وتطبيق الأنظمة بحزم ودون استثناءات حفاظا على الأرواح والممتلكات، وكل هذه تمثل درهم الوقاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي