رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تقرير «ماكنزي» .. مرة أخرى

يقول المثل: إن أهل مكة أدرى بشعابها ولذلك السعوديون يعرفون اقتصاد المملكة أكثر من الاستشاريين الخارجيين. ما زلنا في حاجة ماسة إلى الاستشاري ولكن التقنين والدور الفني شيء والقيام بمهام التكنوقراط واستحضار الرؤية شيء آخر. إخراج وعرض "ماكنزي" دائما جاذب خاصة أن اسم "ماكنزي" أصبح حديثا الأفضل للتحليل والحكمة. الجدير بالذكر أن هذا النوع من التقارير ليس مدفوع الثمن (ويقوم معهد ماكنزي العالمي بدراسات دورية عن الدول وبعض المواضيع المهمة) ولكن "ماكنزي" مؤسسة تجارية ولديها علاقات واسعة في القطاعين العام والخاص. حيثيات تقرير "ماكنزي" مقبولة لأغراض التوضيح والشكل والتسويق ولكنها في المضمون تقوم على أسس وفرضيات ليست جديدة أحيانا. للإنصاف تقرير "ماكنزي" لم يأخذ طابع تمجيد ولا نقدا غير موضوعي.
من ملاحظاتي على التقرير تركيزه على النواحي الاقتصادية والفنية على حساب الأبعاد المؤسساتية في تحليل اقتصاد يعتمد على سلعة رئيسة؛ ولذلك جاءت الاقتراحات والحلول وكأنها تتعامل مع مسائل اقتصادية فنية، بينما المسائل في المملكة هيكلية حتى مجتمعية بجوانب سلوكية. التعامل مع قضايا فنية على هيكل مؤسساتي غير جاهز تنتهي بالتقصير وضياع الوقت وارتفاع التكلفة. التقرير استشرافي ولذلك لابد من التركيز على النواحي المؤسساتية خاصة أن الرسالة لم تصل إلى كثيرين عن طبيعة التحديات بما في ذلك بعض التكنوقراط. التحدي في المملكة تنموي وميدانه الاقتصاد، بينما مادة التقرير في غالبها اقتصادية فنية. الرابط الحتمي بين التنمية والاقتصاد هو الرغبة والقدرة على تغيير تصرفات الفعاليات الاقتصادية. نقصد بالفعاليات (الجهات الحكومية، الشركات، الأفراد، التنظيمات غير الربحية، المستثمرين الأجانب)، الفعاليات تغير تصرفاتها فقط حين تتغير أعمدة البيئة المؤسساتية. الأعمدة هي الصراحة والمنافسة وفعالية الأجهزة العدلية وجودة الطبقة التكنوقراطية التي لم نعمل كثيرا لتأهيلها. كذلك لم نؤسس لمراكز فكرية على درجة من المسافة عن الإدارات التنفيذية لتوليد الأفكار والتحليل واستحضار الخيارات، وهذا أحد أسباب وجود شركات الاستشارات الدولية لتقديم النصح والتحليل. التقرير ينصح بأن تتغير استجابة الاقتصاد من فوق إلى تحت إلى العكس ولكنه لم يبذل الجهد المعلوماتي في الأسفل على الرغم من الوجود الكثيف لـ"ماكنزي" في المملكة. فمثلا يتحدث التقرير عن الدعم ولكنه لم يقدم تحليلا عميقا خاصة أن الدعم جزء من النسيج الاجتماعي ولذلك لابد منه ولكن المطلوب إعادة هيكلته للحصول على توازن جديد. هذا التوازن يجمع بين التماسك المجتمعي وتحريك المجتمع نحو الفرز والتنافس والعدالة تدريجيا. يتحدث عن استثمار أربعة تريليونات دولار خلال 15 سنة ولكن في ظل التوقعات عن أسعار النفط هذا لن يحدث مهما عملت المملكة (قياسا على تجارب أفضل الدول أداء وحجما خاصة أن المملكة لم تستثمر هذا المبلغ في الـ25 سنة الماضية).
الرهان على البعد الفني الاقتصادي غير كاف للخروج برؤية متماسكة. من أفضل ما في التقرير هو التنويه عن الفجوات المالية المستقبلية في ظل عدم التغيير. لا أعرف مثلا لماذا يحاول التقرير تقليل مخاطر الهجرة الاقتصادية للمملكة. لعل الإشكالية تنبع من أن "ماكنزي" لم تأخذ في اعتبارها التفريق بين تحديات نمو العضو الضروري ومجرد التوسع في حجم اقتصاد استجاب لسياسة استغلال المال على حساب التوطين الحقيقي اقتصاديا ومعرفيا وتنظيميا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي