رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التدريب المهني .. فرصة للتصحيح

ما زلت أتذكر وزملائي الشباب ما يسمى بالثانويات الصناعية والتجارية التي كانت المصارف والشركات تتسابق على توظيف خريجيها قبل أن تختفي هذه التجربة المهنية الناجحة قبل عشر سنوات تقريبا بقرار المسؤول الأول في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.
كانت لدينا تجارب مهنية ناجحة في هذه الثانويات، وكذلك في المعاهد المهنية التي كانت تستقبل المتسربين من التعليم العام ليتم تأهيلهم ومنحهم دبلومات مهنية استفاد منها الآلاف وحصلوا على فرص عمل بشكل أفضل من أقرانهم في التعليم العام بحكم وفرة الوظائف المهنية وتعطش سوق العمل إليها.
اليوم يعرف الجميع أن التدريب المهني يعيش حالة من التخبط والعشوائية، وغياب الهوية، وارتفاع الهدر المالي والبشري جعلت من "المؤسسة العامة للتدريب المهني"، وهي الجهة المسؤولة عن هذا النوع من التدريب، تحت سهام النقد طوال السنوات الماضية وصلت معها المطالب إلى الدعوة بإلغائها، سواء من المؤسسات الإعلامية أو من جهات رقابية "كمجلس الشورى" الذي طالب أكثر من مرة بإعادة النظر في وجود المؤسسة العامة وتقييم برامجها من جهات محايدة بعد أن كشفت إحصائيات وزارة العمل الرسمية أن 16 ألف خريج من مخرجات "المؤسسة" مسجلون في برنامج "حافز"، كما أكدت الإحصائيات أن 32 ألف طالب تسربوا من كليات ومعاهد المؤسسة خلال السنوات السابقة، واضطرت الجامعات إلى إعادة تأهيل خريجي المؤسسة من خلال ما يعرف ببرامج "التجسير" بعد أن أغلقت الشركات والمؤسسات أبوابها في وجه خريجي المؤسسة لعدم قناعتهم بمستوى تأهيلهم المهني.
كل هذه الأخطاء المهنية في إدارة التدريب المهني قوبلت بتوسع غير مدروس من المؤسسة وأصبحت بعض المناطق تحفل بافتتاح معاهد أو كليات، بينما لا يتجاوز عدد الملتحقين العشرات. وقد حاولت المؤسسة إجراء مزيد من خطط التطوير لكنها لم تكن سوى تغييرات شكلية كمحاولة تشغيل بعض الكليات عن طريق شركات أجنبية، لكنها في حقيقة الأمر كانت عقودا من الباطن لمؤسسات محلية بحسب ما أعلنه بعض الجهات الرقابية وعلى رأسها "هيئة مكافحة الفساد" التي انتقدت في تقرير لها منشور في الصحف المحلية خلال الشهر الماضي تشغيل "الكليات التقنية" عن طريق شركات أجنبية لم تخضع العملية لأي إجراء أو تقييم شفاف ما يكرس شبهات الفساد لبعض القياديين في المؤسسة بحسب بيان "نزاهة". ورغم أن بعض المتابعين والمهتمين بالتدريب والتنمية البشرية قد سئموا الحديث عن تراجع التدريب المهني في المملكة، إلا أن اختيار "الدكتور أحمد الفهيد" كقائد جديد للمؤسسة العامة خلال الأسبوع الماضي قد أعاد لهم شيئا من التفاؤل بتصحيح المسار.
نتمنى من الدكتور وقد بات المسؤول الأول عن ملف التدريب المهني، ألا يأخذه الحماس بعيدا عن الطريق المباشر لسوق العمل.
فماذا قدمت 35 كلية من مخرجات؟ وماذا قدم أكثر من 80 معهدا تابعا للمؤسسة خلال السنوات الماضية وقد استنزفت من ميزانية الدولة مليارات الريالات؟
إن خريطة الطريق لإصلاح المؤسسة وتجويد مخرجات التدريب المهني كما يراها المهتمون والمختصون تتلخص في التركيز على ثلاثة أمور فقط وما سواها هي أعباء وهدر مالي وبشري. يتمثل الأمر الأول في المحافظة على برنامج الشركات الاستراتيجية الذي أنجزته المؤسسة في وقت سابق بالشراكة مع شركات الغاز والطيران والمياه والكهرباء وشركات البلاستيك والألبان وغيرها، وهي من حسنات المؤسسة القليلة.
الثاني هو إعادة سياسة الكيف لا الكم من خلال التدريب النوعي في المعاهد المهنية التي كانت تحتوي خريجي المرحلة المتوسطة ولا يرغبون في مواصلة دراستهم لأسباب معروفة ومن ثم ربطهم بسوق العمل مباشرة.
أما الأمر الثالث فهو التدريب الأهلي والمعاهد الخاصة والاستمرار في إدارتها وفقا لسياسة الجودة وإعادة التأهيل الذي يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
لو ركزت المؤسسة على هذه المحاور الثلاثة فلا حاجة لنا بهذا الزخم من الكليات والمعاهد العليا التي لم تنتج سوى مزيد من العاطلين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي