مشكلة الإسكان حول القرى في عسير
يقول صديقي، منذ 1416هـ تقدمت بطلب منحة أرض في بلدية مدينة أبها، وبنيت بيتا من الأحلام في ذلك اليوم الذي تم وضع رقم على ورقة طلبي بانتظار ما سمي حينها "الدفتر"، وهو نموذج تقديم طلب؛ أي أن طلبي ورقمي لم يكن في انتظار الأراضي والمنزل الحلم فقط، بل ينتظر نموذجا لتقديم الطلب، أتذكر أنني أمضيت أكثر من سنة وأنا أنتظر ذلك الدفتر ولم يصل، وانتهى بحلمي من رؤية منزلي إلى رؤية الدفتر، ولا أعرف لماذا لم يصل، وهل كانت مشكلة طباعة أو مشكلة موظف أو بلدية أو مشكلة وزارة بأكملها؟ وبينما كانت منح الأراضي تنهال عن اليمين والشمال، وهناك من يقتطع بجاهه أو ماله أميالا بلا حساب حتى حول قريتي، قضى الله أن أذهب في رحلة الابتعاث الطويلة، وعدت بعد ثماني سنوات تقريبا، ولم يزل طلبي في مكاتب الأمانة معلقا ينتظر "الدفتر"، عرفت بعد كل هذه السنوات أن دفتري لن يصل أبدا. بالتأكيد أصابني يأس كبير، فلم أعد أسأل عن منح الأمانة، وقررت الاعتماد على مواردي الذاتية لأشتري أرضا خارج النطاق العمراني، ثم أنتظر فرج الله أن يصل النطاق العمراني إلى أرضي، أو أن يكرمني الله بمن يهتم بالمكان ويشتري الأرض مني، سنوات مرت طويلة، ولم أحصل على أرض في قريتي أو مدينتي من أمانة أبها.
كنت أطرح قصة صديقي في مجلس نقاش حول هذه المشكلة، فأفادني أحدهم بأن القضية في مدينة أبها وعسير عموما هي شح الأراضي بسبب تعنت القبائل وأهل القرى، وفي أثناء النقاش عرفت أيضا أن إمارة منطقة عسير كانت قد بدأت العمل على حل هذه المشكلة من خلال توطين الناس في قراهم وحولها، من خلال تطوير مخططات حول القرى، بحيث يستطيع كل فرد في القرية الحصول على أرض مخططة تخطيطا حديثا ومعتمدة من الأمانة، ومن ثم يستطيع الحصول على قرض لبناء منزله، وهذا يوفر الكثير من الأراضي، ويعمل على تسكين الناس في قراهم، ما يحد من الهجرة إلى المدن، وأيضا - وهو الأهم – أن هذا المشروع سيرفع من مستوى الخدمات للقرى، وما حولها، ولقد لقي هذا المشروع صدى واسعا وترحيبا كبيرا من القبائل، وحد كثيرا من البناء العشوائي، ومن الإحداثات غير المشروعة، وتسلط فئات من الشعب على مقدرات الضعفاء من الناس؛ لأنها تملك الوقت والمال. وللحقيقة فقد كان الطرح رائعا، وقلت في معرض تساؤلاتي: لماذا لا يتم منحي أرضا بجوار قريتي، وهي في ضواحي مدينة أبها، وفقا لهذا التخطيط الحضري الرائع؟ لكن الإجابة جاءت صادمة عندما عرفت أن المشروع قد توقف تماما، وذلك مع صدور التوجيهات بأن يتم تسليم وزارة الإسكان جميع الأراضي التي تحت تصرف الأمانات، وهكذا عدت أنتظر الدفتر.
كما هو واضح جدا هناك مشكلة وهناك حل، ولكن هناك معضلة إدارية، لقد أخذت وزارة الإسكان كل الأراضي التي تحت تصرف الأمانات وغيرها، لكنها لم تأخذ المشاريع والخطط معها. كان يجب – في نظري - أن تعمل وزارة الإسكان على استكمال خطط المنح والإقراض التي بدأتها الجهات المختلفة، بدلا من أن تعيد الجميع إلى نقطة الصفر، فمثلا في قرى عسير عادت كل الظواهر السلبية إلى سابق عهدها، وبعد أن نجحت الأمانة جزئيا بالتعاون مع إمارة منطقة عسير في توطين المواطنين في قراهم وتطور المخططات حول القرى وتمدها بالخدمات، ومنع ظاهرة الاعتداء على الأراضي، توقفت اليوم حركة البناء حول القرى، وعادت ظواهر الاعتداء على الأراضي، وأصبح كل من له حيلة يحتال. ذلك أن فرع وزارة الإسكان في المنقطة غير قادر بذاته على منع الاعتداءات على الأراضي، في المقابل تم رفع يد الإمارة والأمانات عن متابعة هذه الأراضي، بحجة أنها لم تعد تحت سلطتها، وعاد الناس ينتظرون وزارة الإسكان وينظرون إلى الأراضي حول قراهم، وهي تنهب من كل حدب وصوب، وأصبحت المسألة بيد من له نفوذ وسلطة مال.
لا بد من حل سريع خاصة في منطقة عسير، لا بد من استكمال الطريق الذي بدأته الإمارة بتوزيع الأراضي حول القرى على المواطنين القاطنين في تلك القرى، لا بد من ضمان أن الأولوية في المنح هي لأهل القرية قبل غيرهم، ولا بد من تضافر جهود وزارة الإسكان والبلديات لمد هذه القرى بالخدمات، هذا هو الطريق التنموي الصحيح الذي يجب أن نسير فيه بدلا من العودة إلى المربع الأول. كما لا بد من مراعاة أن وزارة الإسكان لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء، وهي غير قادرة حتى الآن على إتمام ما بدأته، فكيف نضع على كاهلها مراقبة الأراضي من الاعتداءات ثم نضيف لها مسألة رسوم الأراضي البيضاء ومتابعة تحصيلها وتثمينها وخلاف ذلك، بلا شك (وفي نظري) أن وزارة الإسكان لن تفعل شيئا في ظل هذه المتاهة من المسؤوليات.