رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الخريطة الذهنية .. وعقلية الاقتصادي

تعتبر الخريطة الذهنية مجرد وسيلة توضيحية لتوصيف العناصر المتداخلة وكيفية ترابطها، وهي وسيلة يكثر استخدامها لترتيب المواضيع واستعراض علاقاتها بطريقة مبسطة تمكِّن من فهمها جيدا. يستخدمها الطلبة في تبويب المواضيع التي يقومون بدراستها، ويستخدمها كذلك الباحثون للسيطرة على تشعبات المواضيع إضافة إلى بعض المهنيين في تحليل الحالات العملية، وينصح بها كثير من المدربين على صعيد التطوير الشخصي. وهي طريقة فعالة تعتمد على الذاكرة البصرية للربط بين الكلمات وربما الصور باستخدام الخطوط والألوان لتوضيح العلاقات والتفرعات.
يدعي الكثيرون بيننا حيازة عقلية الاقتصادي المتمكن، سواء على صعيد تفسير الأحداث أو على المستوى الشخصي المرتبط بفهمها والتأثر بها. أعتقد أن تفسير الأحداث بدرجة مقبولة من الصحة أمر بالغ الصعوبة حتى من قبل أفضل الخبراء والمختصين وذلك لكثرة المتغييرات وصعوبة التكهن بها.
نحن نتخذ معظم قراراتنا الحياتية بعد درجة معينة من الفهم الاقتصادي الذي يساعدنا على اتخاذ القرارات. وكلما تحسن فهمنا لما يحدث حولنا من الناحية الاقتصادية، تحسنت الكيفية التي نتخذ بها قراراتنا وتحسنت نتائجها تبعا لذلك. يصل البعض – من المختصين وغيرهم – إلى الدرجة التي يتمكن فيها من التأثير في قرارات الآخرين بتفسيره وتعليقه على الأحداث والظواهر الاقتصادية. لكن لو تجاهلنا عقلية هذا المختص أو الخبير الاقتصادي لبرهة وركزنا النظر على الشخص العادي، لوجدنا أنه من المهم أن يفهم كيف يرتب مثل هذا الشخص العادي شؤونه الاقتصادية وخريطته الذهنية، حتى لو لم تكن مكتوبة أو مصورة.
لا يستطيع أحد أن يقلل من دور الاعتبارات الاقتصادية العديدة التي نواجهها كل يوم أو أن يقلل من تأثيرها في جودة حياتنا، سواء كانت اختيارات نسعى إليها أو ظروفا نجد أنفسنا فيها. لو استخدمنا أحد تعريفات الاقتصاد كنقطة بداية سنجد أن تحديد الشخص لمفاهيم مثل الاستهلاك والإنتاج وتحديد المقدار الذي يرضاه من كل منهما من الأولويات في خريطته الذهنية، هذا إضافة إلى تصوراته لمفهوم القيمة وكيف يحصل عليه من خلال سلوكياته الاقتصادية. سيكون هناك أيضا تجسيد للمباديء الشخصية والأهداف الحياتية والمهارات والقدرات، تلك الجاهزة وغيرها مما يحتاج إلى تطوير.
من المفترض أن يكون لدى الشخص خطط مرحلية مبينة بوضوح في خريطته الذهنية تبدأ من اليوميات وحتى الاستراتيجيات الحياتية الكبرى التي تستمر حتى التقاعد وما بعده كالوصية. ومن الطبيعي أن يكون لديه اهتمامات اقتصادية عامة يستشرف عن طريقها مستقبله وتساعده على اتخاذ قراراته الاقتصادية، وهذا تحديدا ما يجعله يتابع بعض الأخبار المختارة ويبحث عن أفضل تفسيراتها المنطقية. ولا يوجد ما يمنع من أن تحوز خريطته الذهنية بعض الأدوات والأنشطة التي تساعده على تنفيذ خططه وممارسته وتؤطر قبل ذلك أسلوب تفكيره، بطريقة يرغب فيها ويختارها بنفسه ولا تفرض عليه.
المشكلة التي يقع فيها معظم الأفراد أنهم لا يقومون بتصميم خريطتهم الذهنية الخاصة بشؤونهم الاقتصادية بأنفسهم. لو حاول التعرف عليها في وضعها الحالي – هي موجودة حتى لو لم تكن موثقة ومكتوبة – سيجد أنها مجموعة من الخطوط المتداخلة الناتجة في معظم الأحوال من تأثيرات خارجية لا يشعر بها. قد تحتوي خريطته الذهنية على الكثير من المفردات المتكررة مثل "أسعار البترول" و"مشكلة الأراضي البيضاء" و"غلاء المعيشة" مما يسمعه كل يوم في الأخبار والمجالس، ولكن لن تحتوي على أي حلول أو أساليب تمكنه من التعايش والتكيف ولو مؤقتا مع هذه الأوضاع. هذا إضافة إلى تركيزها على مواضيع عامة وربما مصادر غير موثوقة للمعلومة، مثل تغريدات الآراء غير الموضوعية التي يظنها البعض حقائق، أو مثل الأرقام الخداعة التي تم تطويعها لأغراض لا تتفق مع هدف الشخص ورسالته في الحياة.
من الرائع أن يفتح الجميع أبواب التلقي والتعلم والفهم، خصوصا فيما يخص الأمور والأحداث الاقتصادية المعقدة والمتشابكة. ولكن من الضروري أن نحرص على اتزان القوى المؤثرة في سلوكياتنا وأن نضبط ما نتلقاه من الآخرين. لابد أن تحتوى الخريطة الذهنية التي تقود سلوكياتنا الاقتصادية على عناصر داخلية وخارجية تقوم على مبادئ واضحة وأهداف طموحة وفي الوقت نفسه تعتبر لما يحدث في الخارج من أحداث ومتغيرات. يجب ألا نسمح للأحداث المثيرة والتطورات السريعة بأن تستعمرنا وتعكس في عقولنا مزيدا من الفوضى، التي تصنع بدورها القرارات الخاطئة والمتأخرة وتؤثر بالتأكيد في جودة الحياة التي نعيشها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي