الجامعات والكليات التقنية بين إعادة الهيكلة والاستقلالية
قد لا أضيف معلومة جديدة عند الحديث عن موضوع استقلالية الجامعات وخصوصا أن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى سبقني في الكتابة حول هذا الموضوع، بل تطرق للحديث عن هذا الموضوع في أكثر من مناسبة ليس المجال لسردها.
لعلي في هذا المقال أحاول طرح سؤالين مهمين يجب الإجابة عليهما قبل الحديث عن استقلالية الجامعات. السؤال الأول: هل أولوية المرحلة الحالية الاستقلالية أم إعادة هيكلة الجامعات؟ والسؤال الثاني: ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر في العلاقة بين التعليم الجامعي والتعليم المهني؟ الكليات التقنية أصبحت تشارك الجامعات في تقديم برامج بكالوريوس، فما هي طبيعة هذه العلاقة؟ هل هي علاقة تكاملية من حيث المخرجات التعليمية أم لا؟
الواقع يقول إن عدد الجامعات الحكومية بلغ 27 جامعة، فهل نحن بحاجة بالفعل لهذا العدد الكبير من الجامعات؟ لا شك أن التكلفة التشغيلية لتعدد الجامعات عالية، لذا يبقى السؤال قائما هل من الممكن تحقيق الهدف من التوسع في إنشاء الجامعات في المناطق الطرفية - بتوفير التعليم الجامعي لكل مناطق المملكة- دون الحاجة لهذا العدد الكبير من الجامعات؟
لم يعد سرا أن بعض الجامعات الناشئة تعاني ضعف جودة برامجها أومخرجاتها إضافة أيضا إلى ضعف في الكوادر الإدارية والأكاديمية المؤهلة، لذا فإن دمج بعض الجامعات سيسهم في أن تستفيد من بعضها البعض وتقوي النقص الموجود فيما بينها. وسبق لنائبة رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى الدكتورة زينب مثنى أبو طالب أن صرحت أن الجامعات الناشئة أساءت لمخرجات التعليم العالي. كما تضمن تصريح الدكتورة زينب ملحوظات عديدة حول جودة التعليم والبحث العلمي للجامعات مع التوسع الكبير في أعداد الجامعات الناشئة. فمثلا من غير المنطقي ألا يعي خريجو الحاسب الآلي أبجديات الحاسب الآلي. كما أنه من المخجل ألا يعي بعض خريجي اللغة الإنجليزية أبجديات اللغة الإنجليزية. هذه الحقائق وغيرها قد تعكس جزئيا ارتفاع نسبة البطالة بين الجامعيين 49.3 في المائة حسب إحصائية مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات للنصف الأول من عام 2015. وقد سبق أن دعوت في أكثر من مقال لأهمية دعم الهيئة الوطنية للاعتماد الأكاديمي إداريا وتشريعيا لأن عديدا من البرامج تعاني ضعفا في مخرجاتها. فالحصول على الاعتماد الأكاديمي يجب ألا يكون خيارا بل هدفا لكل البرامج التعليمية.
ذكر أحد الزملاء أن كثرة الجامعات الناشئة وتسميتها بمناطقها قد يؤثر في مدى اندماج أبناء مناطق المملكة، ما يزيد من عزلة أبناء المناطق الطرفية فكريا واجتماعية وتربوية وثقافيا. فمثلا، لنفرض جدلا أن طالبا نشأ في إحدى قرى المناطق الطرفية محدودة السكان وأكمل فيها المراحل التعليمية من الابتدائية إلى أن تخرج في الجامعة، لا شك أن نظرته للحياة وللآخر خصوصا من أبناء المناطق الذين يختلفون عنه في العادات والتقاليد ستكون سلبية. كما أن بعض الجامعات الطرفية تعاني الشليلة الأكاديمية والإدارية بين من هم من أبناء المنطقة ومن هم خارجها ما زرع انشقاقا داخلها وأثَّر في مخرجاتها وحيادية القرارات فيها. لذا فإن الأعداد الحالية للجامعات في حاجة لإعادة تقييمها ماليا وإداريا وأكاديميا وقياس مخرجاتها التعليمية والتربوية والفكرية والبحثية قبل بدء الحديث عن استقلاليتها.
أما السؤال الثاني حول الهيكلة، فيتعلق بمدى تكامل الجامعات مع الكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؟ في السابق كانت المؤسسة تسعى لأن تكون خططها وبرامجها متوافقة مع وزارة التعليم في شق التعليم العام ما يبرر تعيين وكيل وزارة التعليم للشؤون المدرسية كعضو في مجلس إدارة المؤسسة. لكن المؤسسة توسعت في التعليم العالي عبر فتح برامج تقدم شهادة البكالوريوس في تخصصات مختلفه كالأجهزة الطبية وغيرها. لذا فإن المؤسسة وعضوية مجلس الإدارة بحاجة لإعادة هيكلية للتأكد من مدى توافق برامج المؤسسة مع مخرجات الجامعات والتعليم العالي بشكل عام. من الجميل أن تحرص المؤسسة على فتح برامج يحتاج إليها سوق العمل، لكن يعاب على بعض تلك البرامج أن مخرجاتها ضعيفة ما يفقد خريجها فرصة التعيين في سوق العمل. فمثلا، نظرا لضعف برامج فني الأجهزة الطبية التي تقدمها الكليات التقنية -والتي بصدد تحويلها لبرامج بكالوريوس -لا يتم تعيينهم لدى مستشفيات التشغيل الذاتي سواء التابعة لوزارة الصحة أو المستشفيات الأخرى بسبب ضعف مستوى خريجي تلك البرامج سواء من الناحية المهنية أوالعلمية. كما أن برامجها تقدم باللغة العربية بينما بيئة العمل تتطلب إلماما بالغة الإنجليزية. لذا يفشل خريجو برنامج الأجهزة الطبية في اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية والذي هو أحد متطلبات التعيين في معظم المستشفيات. المشكلة لا يمكن حلها بتكثيف تدريس اللغة الإنحليزية لدارسي الأجهزة الطبية، ولكن بإعادة صياغة المناهج لتتوافق مع متطلبات سوق العمل. في الجانب المقابل، فإننا نجد أن بعض الجامعات تقدم برامج مشابهة. فمثلا معظم كليات العلوم الطبية لديها تقدم برامج بكالوريس في الأجهزة الطبية، فهل برامج المؤسسة تتكامل مع هذه البرامج أم أنها نسخ مكررة لها؟ وهل يمكن لبرنامج المؤسسة كبرنامج الأجهزة الطبية أن يحصل على التصنيف المهني من قبل هيئة التخصصات الطبية؟
هذه الأسئلة وغيرها تدل على أهمية إعادة هيكلة العلاقة بين برامج البكالوريوس التي تقدمها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجامعات السعودية كما حصل مسبقا مع دمج كليات إعداد المعلمين في الجامعات.
ختاما، أعتقد أننا بحاجة لإعادة العلاقة والهيكلة بين الجامعات من جهة وإعادة العلاقة والهيكلة بين الجامعات السعودية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من جهه أخرى. والأهم عند بداية إعادة الهيكلة التأكد من أن المخرجات تضمن جودة للمخرجات التعليمية وألا تكون نسخا مكررة مكلفة وعالة على التنمية. أما الحديث حول استقلالية الجامعات فلعلها تكون خطوة لاحقة لإعادة الهيكلة.