قطار المشاعر .. الفكرة لم تكتمل
في عام 2011 شهدت منطقة مكة المكرمة وتحديدا المشاعر المقدسة واحدا من أهم المشاريع الخدمية وهو"مشروع قطار المشاعر" والذي كلف الدولة بحسب الإحصاءات المعلنة ستة مليارات ريال واستغرق تنفيذه 16 شهرا، وكان أشبه بالحلم الذي اختصر كثيرا من تعقيدات النقل العام وزحامه ومشكلاته اليومية في التنقل بالحافلات والسيارات، التي عاناها الوافدون لأداء فريضة الحج، وكان تصميم خط سير القطار متوافقا مع متطلبات الحركة في المشاعر المقدسة حيث تبدأ المحطات الأولى للقطار داخل مكة، ثم يمر القطار بثلاث محطات في مشعر عرفات ومثلها في مشعر مزدلفة ثم أول مشعر منى ووسطه وتكون المحطة الأخيرة عند الدور الرابع في جسر الجمرات.
جاء نجاح المشروع مفرحا واستطاع أن ينقل سنويا ما يقرب من 500 ألف حاج كانوا يحتاجون إلى ما يقارب 12 ألف سيارة لنقلهم وهو فارق هائل في تخفيض الزحام والكلفة التشغيلية واختصار الوقت وجودة الخدمة.
لكن في رأيي أن هذا النجاح الذي تحقق ليس كافيا والفكرة لم تكتمل، ولا أعرف لماذا لم تكن فكرة القطار أكثر شمولية ليستفاد منه بقية العام؟ خاصة أن الدولة فتحت موسم العمرة بأعداد مضاعفة "ومكة المكرمة" بطبيعتها الديموغرافية تعاني.
من ضغط الخدمات، وصعوبات متعددة في وسائل النقل، ويتضح هذا أكثر في المنطقة المركزية بجوار الحرم والتي أصبح الوصول إليها مع المشاريع الجديدة أكثر صعوبة من قبل، وتحتاج مع الوقت إلى تقليل المركبات لتتناسب مع أعداد الزوار المتزايدة في موسمي الحج والعمرة وكذلك مواسم الإجازات المحلية والخليجية.
الخطة الحالية "لقطار المشاعر" لا يعمل فيها القطار سوى ستة أيام تقريبا في السنة وخلال موسم الحج فقط، بينما يظل متوقفا عن العمل بقية الأيام رغم أنه كلف الدولة ستة مليارات، وتكلفة صيانته حسب ما قرأت في بعض المواقع 20 مليون ريال سنويا، الإضافة إلى ما تصرفه الدولة على الشركة المتعاقدة لتشغيله وهو مبلغ غير معلن لكنه بالتأكيد في خانة الملايين نظرا لقلة الكفاءات المحلية المؤهلة في التعامل مع القطارات.
وهذا يجعلني أتساءل هل من المعقول أن يبقى القطار متوقفا عن العمل بهذا الشكل بينما نحن في أمس الحاجة إليه بقية أوقات السنة؟
لقد جربت الزحام بنفسي في موسم العمرة في شهر رمضان وأنا أنتظر لأكثر من ساعة في موقف حجز سيارات المعتمرين في "كدي" للقادمين من جدة، وكذلك حجز السيارات للقادمين من الطائف، وشاهدت معاناة الناس من العوائل وكبار السن وأيضا الزائرين من خارج المملكة، وبقينا قرابة الساعة ونحن في زحام لأجل الوصول إلى الحرم في سيارات الأجرة العامة وكثير منها غير مؤهل للخدمة، فكيف غاب عن المخططين أن الحرم المكي هو محور النقل والتنقل على مدار الأيام؟
كان الأولى أن يكون "قطار المشاعر" في مثل هذه الأوقات يؤدي دوره في خدمة المعتمرين، ويسهم في الارتقاء بالخدمات، وتقليل الزحام، وزيادة الدخل المالي، وأيضا توفير مزيد من فرص الوظائف الدائمة، وليس الوظائف المؤقتة في موسم الحج، وآمل أن "يكون لإمارة مكة المكرمة" وقد عودتنا على التفاعل الإيجابي مع المبادرات التنموية أن تولي "قطار المشاعر" مزيدا من الاهتمام ليكون في قلب مكة وعلى مدار العام بدلا من هذا الهدر المالي.