رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


رغم مجهودات عزام إلا أننا نطمح إلى المزيد

صدر الأمر الملكي بإعفاء وزير التعليم السابق الدكتور عزام الدخيل، وتعيين الدكتور أحمد العيسى خلفا له. ونحن إذ نبارك للوزير الجديد ونتمنى له من الله العون والتوفيق في قيادة هذه الوزارة العملاقة، فإننا في نفس الوقت نتقدم بالشكر الجزيل للوزير السابق، فقد أبلى بلاء حسنا وأدى كل ما في وسعه، وستسطر له وزارة التعليم مجهوداته، رغم الفترة الوجيزة التي قضاها.
وقد تعاطف الناس مع الدكتور عزام وواسى بعضهم بعضا في رحيله، ونظمت في ذلك قصائد وأشعار، ووثق بعضهم مجهوداته، فنشرت له من الأرشيف الصور التذكارية التي أخذت له في مواقع مختلفة مع الطلاب في القاعات، والمعلمين في المدارس، والمعوقين في أماكنهم، وأبناء الشهداء في منازلهم، وجنودنا الشجعان على الحدود. ورغم أن هناك سلبيات ظهرت في عهد الوزير الدخيل - كعمل بشري - إلا أننا لم نرَ أيا منها يظهرها على السطح. فنحن نرى كيف ينقسم الرأي العام إلى فئتين عند تقييم أداء كبار المسؤولين - فريق مع وفريق ضد - إلا أن هناك رضا تاما وشبه اتفاق على جودة أداء الدخيل.
كما أن الدكتور عزام ليس الوحيد الذي كان يعمل بجد، فهناك مسؤولون كثر سابقون وحاليون يعملون بنفس المنهجية، وقدموا للناس الكثير، وبرعوا في أعمالهم، وأداء مهامهم على أكمل وجه، إلا أنه عند انتهاء مهامهم وفترة عملهم في وزاراتهم لم يذكرهم أحد، ولم يمجد صنيعهم فرد، ولم يتذكرهم الناس، فلماذا عزام دون غيره؟
أرى أن الرجل كان بالفعل مخلصا وجادا، وقد تلمس الناس ذلك من خلال بعض الإصلاحات التي لاحظناها في فترة وزارته الوجيزة. فوزارة التعليم ومن يقوم بالعمل فيها خصوصا من هو في قمة هرمها لا يستطيع أن يخفي صنيعه، وسينكشف بكل إيجابياته وسلبياته. فالمواطنون يستطيعون أن يقيموا الهيئات التي تمس معايشهم وتشرف على خدمتهم، خصوصا التعليم والصحة. فهاتان الوزارتان لا يمكن أن تخفى عيوبهما عن الناس، لأنهم يتعاملون معهما منذ نعومة أظفارهم وهم أطفال في المراحل الابتدائية حتى يشبوا عن الطوق، ثم يعود تعاملهم معهما عندما يرزقون بذرية يذهبون بهم إلى المدارس، ولهذا فهم يعرفون الفارق بين ما كانت عليه خدمات التعليم في عهدهم إبان أن كانوا تلاميذ على مقاعد الدراسة وما هي عليه في عهد أبنائهم. كما أن شريحة كبيرة من موظفي الدولة يعملون في وزارة التعليم وفي فروعها المنتشرة في طول المملكة وعرضها، ولهذا فهم قادرون على معرفة مسيرة الوزارة ومن فيها، وكيف كانت؟ وما هي عليه الآن وأين تتجه؟
ورغم كل الحب الذي رأيناه يتدفق للوزير الدخيل وهذا الاعتراف بالجميل، إلا أن هذا يجب ألا يلهينا عن الحقائق التي أمام أعيننا. فوزارة التعليم متشعبة، ومترهلة، وتضم بين جنباتها عدة هيئات كانت أمس وزارات مستقلة، والتغيير في مسيرة الخدمات خصوصا التعليم يحتاج إلى وقت طويل، ولا أظن عدة أشهر كافية لإعادة هذه المنظمة العملاقة إلى الاتجاه الصحيح. يجب ألا يكون حكمنا منحصرا على تعليق الدراسة إبان الأمطار وسوء الأحوال الجوية أو تقديم إجازات المعلمين في المرحلة الابتدائية، وغيرهما من الأمور - ولو أن هذه بادرة جيدة لا يمكن أن ينتقص منها - إلا أننا نطمح إلى أن تؤخذ العملية التعليمية بشكل شمولي، وأن توضع اليد على الأمور الجوهرية، فنريد تعليما جيدا، وقويا، ومتينا يهتم بالجوهر، وألا يكون تركيزنا مقتصرا على تعليق دراسة أو منح إجازة.
يشتكي بعض مواطني بعض الدول من سطو الأجانب على وظائفهم في بلادهم كما هو الحال في أستراليا، وبريطانيا، وبعض دول أوروبا الغربية. وعند تحليل الوضع وُجد أن التعليم في هذه الدول رغم جودته إلا أنه يعوّد الطالب الكسل، والاتكالية، واللا مبالاة، وقلة الاهتمام. فالنظام التعليمي في هذه الدول يدلل الطلاب ويقدم لهم التعليم بطريقة ترفيهية مبالغ فيها، بحيث لا يكون له أثر كبير في تنمية مهاراتهم وإظهار قدراتهم، ولهذا عند تخرجهم واندماجهم في الحياة الواقعية لم تتم الاستفادة إلا بجزء قليل منهم، والباقون غير مؤهلين للعمل إلا في الحرف البسيطة وأعمال السكرتارية والبيع ونحوها. أما المهن العالية التي تتطلب الجلد والصبر والمثابرة وقوة التحمل كالأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات فغير قادرين على الولوج إليها.
ولهذا لم تجد الحكومات في هذه الدول بدا من الاستعانة بأصحاب المؤهلات الحقيقية والقادرين على العمل حتى لو كانوا غير مواطنين. فتم غزو هذه البيئات في عقر ديارهم من قبل الأجانب والاستيطان فيها، وسحب البساط من تحت مواطني البلاد الأصليين، ولهذا نجد البطالة في تزايد. فالإحصائيات تظهر أن عدد العاطلين يواصل ارتفاعه في أوروبا أعلى من المعدل الموجود منه في الولايات المتحدة الأمريكية. والصورة هنا قاتمة خصوصا للشباب الأوروبيين دون سن الـ 25 عاما. ففي دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 ككل ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى 22.8 في المائة في سبتمبر الماضي بعد أن كان 21.7 في العام الذي قبله. وفي اليونان وإسبانيا تجاوز معدل البطالة الـ 50 في المائة "أكثر من نصف القوى العاملة غير مؤهلين للعمل". بالطبع هناك أسباب متعددة وراء هذا، من أهمها التعليم المخملي المقدم لهذه الشعوب. وهذا الدلال غير موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا بقي معدل البطالة في حدود الـ 6 في المائة.
ولهذا فنحن لا نريد التدليل المبالغ فيه لطلابنا، بل التعليم الجاد والإعداد الجيد حتى ينافس أبناؤنا مع من سيأتيهم من الخارج، فسوق العمل لن تبقى تحت السيطرة وستفتح قريبا للأكفاء، مواطنين كانوا أم أجانب.
نريد الدخول في العمق والتركيز على صلب العملية التعليمية، وما نريده من الوزير الجديد لا يتسع مقال كهذا لسرده، لكننا نظنه من الحصافة والفهم بما يمكنه من معرفة لب المشكلة، والتعرف على الداء ليقتلعه من جذوره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي